سلسلة دروس وعبر من السيرة النبوية الشريفة (23): عليّ بن أبي طالب ـ نموذج للتضحية

 

الحقائق التاريخية:

لم ينم الرسول ﷺ تلك الليلة في فراشه، وإنما طلب من علي رضي الله عنه أن ينام مكانه، وأمره إذا أصبح أن يردّ الودائع التي كان أودعها كفار قريش عنده إلى أصحابها، وغادر الرسول ﷺ بيته دون أن يشاهده الموكّلون بقتله، وذهب إلى بيت أبي بكر.

الدروس المستفادة:

إن الجندي الصادق المخلص لدعوة الإصلاح يفدي قائده بحياته، ففي سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكها خذلانها ووهنها، فما فعله عليّ رضي الله عنه ليلة الهجرة من بياته على فراش الرسول ﷺ تضحية بحياته في سبيل الإبقاء على حياة رسول الله ﷺ.

وفي إيداع المشركين ودائعهم عند رسول الله ﷺ مع محاربتهم له وتصميمهم على قتله، دليل على أنّ أعداء الإصلاح يوقنون في قرارة نفوسهم باستقامة الداعية وأمانته ونزاهته، وأنّه خير منهم سيرة، وأنقى سريرة، ولكن تمسكهم بالعادات والعقائد الضالة هو الذي يحملهم على محاربته، ونصب الكيد له، والتآمر إلى قتله إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

اتباع الحق مع معرفته ليس سهلا ولذلك كثير من الناس لا يقدرون على اتباع ما يوقنون أنه الحق لأنه يتعارض مع شهواتهم أو مصالحهم أو أن تكون أنفسهم أضعف من أن تلتزم به. قال تعالى: "وأضلّه الله على علم" وقال ﷺ: "والله لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".

ويجب التنويه أيضاً أنّ تفكير قائد الدعوة، أو رئيس الدولة، أو زعيم حركة الإصلاح في النجاة من تآمر المتربصين والمغتالين، وعمله لنجاح خطة النجاة ليستأنف حركته في مكان آخر لا يعتبر جبنا ولا فرارا من الموت.

أحدث الدراسات:

ما فعله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ليلة الهجرة هو مثال حيّ للتضحية بالنفس من أجل دعوة الحق والإصلاح. علم النفس الاجتماعي يشير إلى أنّ التضحية من أجل قائد أو قضية غالباً ما تكون مدفوعة بالإيمان العميق بالقضية والاحترام الكبير للقائد. فالجندي الصادق يرى في حماية قائده حماية للرسالة نفسها، مما يجعل التضحية بالحياة أسمى مظاهر الولاء.

أما بالنسبة لأمانة النبي ﷺ في ردّ الودائع رغم عداوة كفار قريش له، فهو درس عظيم في الأخلاق القيادية. علم الأخلاق يُبرز أهمية أن يظلّ القائد مُتحلياً بالنزاهة والعدل، حتى مع من يعاديه، إذ تعزز هذه الصفات الثقة حتى بين الأعداء.

الدراسات التي تناولت قيادة النبي ﷺ تشير إلى أن هذا النوع من السلوك القيادي يُلهم الأتباع ويترك أثراً إيجابياً مستداماً على المجتمع. الصدق والأمانة هما دعامة بناء المجتمعات المستقرة والمزدهرة.

خاتمة:

الهجرة النبوية ليست فقط حدثاً تاريخياً، بل هي نموذج يُحتذى به في القيادة، التضحية، والأمانة. تعلّمنا هذه القصة أن الدعوات العظيمة تحتاج إلى قادة عظماء وجنود أوفياء، وأنّ الأمانة والصدق هما أساس بناء أي رسالة ناجحة حتى بين من يُعاديها.