الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل
في ليلة غارقة في الصمت، وسط عالمٍ لا تزال ناطحات السحاب تلمع فيه تحت وهج المصابيح، كنتُ مستلقيًا على سريري، أُحدّق في سقف الغرفة وأفكر: ماذا لو استطعنا رؤية المستقبل؟ لا عبر التنبؤات والتخمينات، بل بأن نعيش فيه حقًا، نسمع من أبنائه، ونشاهد نتائج أفعالنا ونحن نخطو في عالمهم؟
ثم وجدتُ نفسي هناك... لا أعلم كيف حدث ذلك، ولا كم مرَّ من الوقت. لكن حين فتحتُ عيني، كان المشهد أمامي مختلفًا تمامًا. عالمٌ مدمر، سماءٌ ملبدة بالغيوم الرمادية، وأرضٌ جرداء كأنها لم تعرف الحياة قط.
كان الهواء ثقيلاً... ثقيلاً لدرجة أنك تشعر به يخترق رئتيك كالإبر. لم يكن هذا ضباباً، ولا غباراً عادياً… كان خليطاً سامّاً من الرماد والغازات التي لم يعد أحد يعرف أسماءها، فقط يعرفون أنها قاتلة.
الأرض؟ مجرد أطلال. لا غابات، لا بحار زرقاء، لا سماء صافية… كل شيء مغطى بلون رمادي كئيب. كانت المباني، أو ما تبقى منها، كالجثث الهامدة، تشهد على حضارة أحرقت نفسها ببطء. هنا كان نهر، وهناك كانت غابة، لكنهما الآن مجرد ظلال في ذاكرة الكوكب.
مرحبًا بك في المستقبل… حيث انتهت الحضارة البشرية ليس بحرب نووية، ولا باصطدام نيزك، بل بانتحار بيئي بطيء.
في هذا المستقبل، لا يتجادل العلماء حول حلولٍ لإنقاذ الكوكب، بل يتجادلون حول سؤالٍ آخر: "من المسؤول؟" تُقلّب الأيدي أوراق التاريخ، فيقرأ سكان المستقبل عن جيلنا نحن… عن الذين حطّموا الطبيعة مقابل المال، وتركوا الأرض تلفظ أنفاسها الأخيرة.
رأيتُ أطفالًا بوجوه شاحبة يحيطون برجل مسنٍّ يجلس فوق صخرة سوداء، كأنه حكيم الزمن الذي يحكي لهم قصةً من زمنٍ بعيد. بين الركام، جلس الرجل المسن، نظر إلى الأطفال القلائل الذين بقوا، بعيون غائرة ووجوه غطتها تجاعيد الألم واليأس. ثم رفع رأسه نحو السماء الملبدة بالسحب السوداء وقال بصوت متحشرج:
"لقد حذّركم… لكنكم لم تُصغوا له."
حين لاحظوا وجودي، ساد بينهم همسٌ قصير، قبل أن يقترب مني الرجل المسن، نظر إليَّ بتمعن وقال:
"أنت من الماضي، أليس كذلك؟"
لم أملك إلا أن أومئ برأسي موافقًا.
ابتسم بحزن، ثم قال:
"كم تمنينا لو امتلكنا فرصة مثلك، لنحذّر أسلافنا مما فعلوه. لكنهم لم يستمعوا إلينا حين كانوا هنا. أما الآن، فليس أمامنا سوى أن نحكي لك قصتنا، علّك تعود بها إلى أهلك، قبل فوات الأوان."
جلستُ بينهم، أصغي إلى كلماتهم بكل جوارحي. لم أكن العالِم الذي يحمل إجاباتٍ، بل كنتُ التلميذ الذي يحاول أن يفهم. كنتُ أسمع منهم كيف انهار كوكبنا، كيف حاولوا النجاة، وكيف فشلت جميع محاولاتهم حين صار الضرر لا يمكن إصلاحه.
لكن وسط هذا اليأس، برز سؤالٌ يثير الشكوك:
"أما كان هناك سبيلٌ لإنقاذ الأرض؟ أما كان هناك طريقٌ آخر؟"
وهنا، بدأت الحكاية...
جميل جداً
ReplyDelete