فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (20): مشهد العذاب المحتوم لأهل الباطل

 

سلسلة فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ

بعد أن كشف القرآن مكر الوليد وتفكيره وتخطيطه الخبيث، جاء الرد الإلهي قاطعًا، لا جدال فيه:

﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ۝ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ۝ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ۝ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ {المدثر: 26-30}


لطائف التفسير وإعجاز التصوير

إنه وعيد تقشعر له الأبدان. "سَقَر"، هذا الاسم الذي يُلقي في القلب الرعب قبل أن نعرف شيئًا عن ماهيته، وكأنّ الله أراد أن يبقيه مجهولًا ليملأ النفوس خوفًا مما لا يُتصور. ثم تأتي الآية التي تكشف لنا بعضًا من هوله: "وما أدراك ما سقر"، أي أن حقيقتها أفظع مما يستطيع البشر إدراكه!

ثم يصفها الله بوصفين رهيبين: "لا تُبقي ولا تذر"، أي أنها تلتهم أهلها بلا رحمة، فلا تترك فيهم حياة، ولا تبقي منهم أثرًا، بل تعيد إحراقهم من جديد، حلقة عذاب لا تنتهي. ثم يقول: "لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ"، أي أنها تحرق وجوههم، تشوههم، وتُذهب ملامحهم، جزاءً لهم على صدّهم عن سبيل الله ومحاربتهم لدعوته.

وأخيرًا، يأتي العدد المخيف: "عليها تسعة عشر".  تسعة عشر ملكًا من الزبانية، ملائكةٌ لا يعرفون الرحمة، مكلَّفون بتعذيب أهل النار، فكيف يكون حال من يُساق إلى هذا العذاب؟


إسقاطات معاصرة: أين فراعنة العصر من هذا الوعيد؟

ما أشبه أهل الباطل اليوم بوليد عصره! كم من زعيم مستبدّ ومفكر خبيث وسياسي ماكر يظن أنه قادر على صد الإسلام عن طريقه؟ كم من إعلامي يبيع ضميره ليشوّه الحق وأهله؟ كم من طاغية يظن أن ملكه باقٍ، وأن جبروته سيحميه من المصير الأسود؟

أين فرعون الذي قال: "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي"؟ أهلكه الله بماء كان يزعم أنه يملكه!

أين قارون الذي خرج على قومه بزينته فاغترّ بقوته وماله؟ خسف الله به الأرض فلم يره أحد بعد ذلك!

أين إمبراطوريات الظلم والاستعمار؟ بريطانيا التي قيل إن الشمس لا تغيب عن مستعمراتها، سقطت، وانهار وهمها.

واليوم، كم من "فرعون" جديد يظن أنه سينجو من سقر؟

كم من طاغية يحسب أن جبروته يحميه، وأن زبانيته يمنعونه من غضب الله؟ أمريكا، إسرائيل، قوى الاستكبار العالمي، يمكرون كما مكر الوليد، ويخططون كما خطط، ويقودون إعلامًا وفتنًا كما فعل أسلافهم، لكن العاقبة قادمة لا محالة، والعذاب ينتظرهم، "لا تبقي ولا تذر".


يا دعاة الحق!

لا تغترّوا ببريق أهل الباطل، ولا تظنوا أنّ قوتهم تحميهم، فهم مجرد حطبٍ ينتظر أن يُلقى في سعيرٍ لا يُطفأ. اصبروا، واثبتوا، فمهما علت أصواتهم، فالنهاية واحدة: "سأصليه سقر".

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام