فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (21): مشهد النهاية بين أسود الحق وحُمر الباطل

 

سلسلة فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ

بين فرار الحُمر وزئير الأسود

هناك في عمق الصحراء، مشهد يتكرر كلما علت الشمس كبد السماء. حُمرٌ مستنفرة، أعينها تدور في محاجرها، تلتقط أي حركة ولو كانت سرابًا، قلوبها ترتجف قبل أن تلمح ما تخشاه. وفجأة… يظهر الأسد! لا يحتاج إلى أن يهجم، ولا إلى أن يطارد، فمجرد ظهوره يكفي، يكفي ليجعل القطيع ينهار في فوضى، تتبعثر أقدامهم، يصطدم بعضهم ببعض، ثم يفرّون… يفرّون بلا تفكير، بلا تدبير، بلا وِجهة… فقط خوف، خوفٌ مجبول في دمائهم، لأنهم يدركون أن هذا الأسد ليس مثلهم، إنه ملك الغابة، وهو هنا الآن، وهم في مرمى نظره.

وهكذا هم أهل الباطل… فَرّوا من قَسْوَرَةٍ.


المنهج الرباني في صناعة الأسود

لم يكن إعداد الأسد الذي يُفر منه مسألةً عشوائية. فحين أراد الله أن يهيّئ أول داعية إلى الإسلام، لم يُلقِ به في المعركة مباشرة، بل صقله، قوّى قلبه، شدّ عوده، وعلّمه كيف يكون أسدًا يهابه أهل الباطل ولو تكاثروا عليه.

رأينا ذلك في المنهج الرباني الذي أعدّ به الله نبيَّه محمدًا ﷺ:

  1. طهّره قبل أن يرسله:  أُمِر بالتسبيح والطهارة قبل الانطلاق بالدعوة، ليربط قلبه بالله وحده، فلا يخشى إلا إياه.
  2. ثبّته أمام الكيد والمكر:  عندما واجه معارضة المستكبرين، لم يتركه الله بلا زاد، بل كشف له ألاعيبهم، وفضح طرقهم، ليظل واثقًا من طريقه، مدركًا أن الباطل هشٌّ مهما بدا ضخمًا.
  3. علّمه الصبر واليقين:  فكما صبر نوح، وأوذي موسى، وحوصر إبراهيم في النار، كذلك سيُؤذى، لكن النصر مكتوب للثابتين.
  4. أراه مصير أهل الباطل:  كما أُحرق الوليد بن المغيرة بسقر، كذلك سيحترق كل من حارب الحق، ولو أمهلهم الله، فإنما لحكمة.

وهكذا كان محمدٌ ﷺ أسدًا حقيقيًا. بدأ الدعوة وحده، ففرّت مكة من أمامه كما تفرّ الحُمر، ثم انتصر عليهم، ولم يكد يمضي قرن على بعثته حتى كان دينه يملأ الأرض.


حمر الباطل اليوم… هل تغيّرت؟

اليوم، أهل الباطل ما زالوا هم هم. أمريكا، إسرائيل، الأنظمة المستبدة، الإعلام المضلل، المفكرون العملاء… كلهم حُمرٌ مستنفرة، يخشون الإسلام رغم كل ما يملكونه من قوة. تراهم يعقدون المؤتمرات، يسنّون القوانين، ينشرون الإشاعات، يمكرون الليل والنهار، ومع ذلك، قلوبهم تملؤها الرهبة من الإسلام ودعاته.

  • لماذا يُنفقون المليارات على محاربة الإسلام إذا كانوا لا يخشونه؟
  • لماذا يحاربون الحجاب، والمساجد، والمدارس الإسلامية؟
  • لماذا يلاحقون كل من يدعو إلى الله، ولو كان مجرد شاب على وسائل التواصل؟

لأنهم يعلمون أنّ الإسلام هو القسورة الذي يُرعبهم، وأنّه كلما ظهر داعية مخلصٌ، فإنّ رُعبهم يتضاعف، لأنّهم يدركون أنّه ليس مجرد فرد… بل هو امتداد لمنهج إلهي لا يُهزم.


رسالة إلى دعاة الحق: كُنْ قَسْوَرَةً

أيها الداعية، يا من تحمل على عاتقك هذا الدين، لا تغترّ بكثرة أهل الباطل، ولا تضطرب عندما تراهم متماسكين ظاهريًا. لقد فضحهم الله في هذه السورة، وكشف حقيقتهم… هم مجرد حُمرٍ مذعورة، تخاف من ظِلّها، وترتجف من كلمة الحق.

لا تكن مترددًا، لا تكن معتذرًا، لا تتخفَّ خلف الكلمات اللينة وأسلوب المهادنة، فالباطل لم يكن يومًا رحيمًا بدعاة الحق، فلماذا يجب أن نكون ضعفاء أمامه؟

كُنْ كالأسد الذي يفرّ منه القطيع.

كُنْ قَسْوَرَةً، ولا تكن حمارًا مستنفرًا.


واعلم أن النصر مكتوبٌ لأهل الحق، وأن الباطل زائل، مهما علت أصواته، ومهما استعرض قوته… فهذه هي النهاية الحتمية.

Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام