فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (9): رسالة إلى دعاة الحق في هذا العصر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الدعوة إليه طريق الأنبياء والمرسلين، والصلاة والسلام على سيد الدعاة وإمام المرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إلى كل داعية اختار طريق الحق، وأدرك أنّ رسالته ليست مجرّد كلمات تُقال، بل نوٌر يُبثّ في ظلمات الشك والضلال، وقلبٌ يخفق بحب الله وخوفه ورجائه، إلى كل من تحمّل مسؤولية الدعوة إلى الله، ووقف أمام أمواج الباطل العاتية صابرًا محتسبًا، هذه رسالة تحمل بين طياتها زادًا ونورًا.
زادك من إعداد المرسلين
تأمل كيف أعدّ الله نبيه صلى الله عليه وسلم للدعوة وحده في مكة، حيث لم يكن على الأرض مسلمٌ سواه، فكان عليه أن يكون أمةً وحده، ثباتًا وإيمانًا وصبرًا. ولأجل هذا جاء الخطاب الإلهي:
- "قُمْ فَأَنْذِر":ْ بداية الانطلاقة الحقيقية، حيث تُفارق الداعية الراحة، ليصبح همّه تبليغ الحق للخلق.
- "وَرَبَّكَ فَكَبِّر":ْ تصحيح البوصلة، فلا تُطلب العزة إلا من الله، ولا يُعظّم سواه.
- "وَثِيَابَكَ فَطَهِّر":ْ نقاء الظاهر والباطن، وطهارة القلوب من الرياء والأهواء.
- "وَالرُّجْزَ فَاهْجُر":ْ هجران الذنوب والباطل، والابتعاد عن كل ما يُشوّه الدعوة ويُفسد أثرها.
- "وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِر":ُ إخلاص النية، وعدم انتظار المقابل من الناس، فالداعية يُجاهد لأجل الله، لا لأجل الشكر أو الشهرة.
- "وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر":ْ الصبر زادك، والثبات قوتك، فإنّ دعوتك إلى الحق ستواجه الصدّ والاستهزاء، فاصبر لله وبالله.
رفع الهمم وتثبيت القلوب
أيها الدعاة، إنكم في زمان غريب، تُحارب فيه القيم باسم التقدّم، ويُدعى فيه إلى الإلحاد باسم العقلانية، وتُهاجمون من بني قومكم قبل أعدائكم. وإنه من حقكم أن تشعروا بالوحدة والعجز أحيانًا، لكن تذكّروا أنّ نبيكم بدأ وحده، وأسّسَ أمةً نقلت النور إلى أقطار الأرض.
إنكم لستم وحدكم، وإن خذلتكم بعض القلوب، فالله معكم، وإن ضاقت عليكم السبل، فباب السماء مفتوح لكم، وإن قلّ الناصر، فإن الحق لا يموت، وسيبقى ولو كره المجرمون.
فامضوا في دعوتكم، بقلوب صافية، وهمم عالية، وإخلاص لا تشوبه شائبة. اجعلوا صبركم عبادة، وثباتكم عبودية، وثقوا أنكم على طريق الأنبياء، والموعد جنان الخلد، بإذن الله.
نسأل الله أن يثبتكم على الحق، ويقوي عزائمكم، ويجعل دعوتكم هدايةً للخلق ورحمةً للعالمين.
Comments
Post a Comment