سلسلة دروس وعبر من السيرة النبوية الشريفة (15): أبو طالب وحكمة التعامل مع الأنظمة القائمة

 

الحقائق التاريخية:

مات أبو طالب عم الرسول ﷺ في السنة العاشرة من البعثة، وكان في حياته شديد الدفاع عن ابن أخيه رسول الله ﷺ، وكانت قريش لا تستطيع أن تنال النبي بأذى في نفسه طيلة حياة أبي طالب احتراماً له وهيبةً، فلما مات أبو طالب، جرؤت قريش على تشديد الأذى للنبي ﷺ، ولذلك كانت وفاته مبعث حزن عميق للنبي ﷺ، وقد حرص النبي أن يقول أبو طالب كلمة الإسلام وهو على فراش الموت، فأبى خشية أن يلحقه العار من قومه.

الدروس المستفادة:

قد يحمي الداعية أحد أقربائه ممن ليسوا على دعوته، وفي ذلك فائدة للدعوة حين تكون مستضعفة، إذ يمنع الأشرار من العدوان على حياته أو مسه بأذى، فعصبية القبيلة والعائلة قد يستفيد منها الداعية في حمايته وحماية دعوته إذ لم يسايرها على ما هي عليه من منكرات.

وفيه أيضا أنّ للداعية أن يستخدم النظام القائم في عصره ما دام يستفيد منه وفي دعوته حتى وإن جاء بعكسه أو أراد هدمه أو إصلاحه. فهنا نرى رسول الله ﷺ قد استفاد من العصبية الجاهلية التي كانت في عصره رغم أن رسالته تدعوا إلى هدم هذه العصبية والتي كانت تجعل المرء يحارب حمية لأخيه ظالماً أو مظلوماً.

فكما قال الشاعر:

لَا يسْأَلُون أَخَاهُم حِين يندبهم … فِي النائبات على مَا قَالَ برهانا

فجاء النبي ونهى عن مثل هذه العصبية في قوله الشريف:

 "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماُ" 

وفسّر قوله بأن تكفه عن ظلمه هو نصرك له.

أحدث الدراسات:

أهمية الدعم الاجتماعي في المراحل الحرجة للدعوة:

علم النفس الاجتماعي يشير إلى أن وجود شخصيات داعمة ضمن الدوائر القريبة من الفرد يعزز من قدرته على مواجهة التحديات والضغوط. في السياق الدعوي، يمكن لوجود داعمين حتى وإن لم يتبّنوا الدعوة نفسها أن يوفر حماية نفسية ومعنوية ودعماً لوجستياً للداعية، كما كان الحال مع أبي طالب في دعمه للنبي ﷺ.

استخدام الأنظمة الاجتماعية القائمة بفعالية:

توضح نظريات علم الاجتماع أن المصلحين غالباً ما يستخدمون النظام الاجتماعي القائم كوسيلة لنشر رسالتهم، حتى وإن كانت هذه الرسالة تسعى إلى إصلاح أو تغيير هذا النظام. استفادة النبي ﷺ من العصبية القبلية كانت مثالاً عملياً على كيفية توظيف الموارد والروابط الاجتماعية في سبيل حماية الدعوة وضمان استمرارها.

الدور الانتقالي للنظم القديمة:

من منظور تاريخي واجتماعي، النظم القديمة قد تعمل كجسر لانتقال المجتمعات إلى نظم جديدة وأكثر عدلاً. العصبية القبلية كانت إحدى دعائم المجتمع الجاهلي، لكنها في الوقت نفسه شكلت حامياً مؤقتاً للدعوة الإسلامية حتى تهيأت الظروف لتغيير هذا النظام تدريجياً ضمن الرسالة الإسلامية.

خاتمة:

تظهر هذه الحقائق والدروس أهمية التوازن بين الاستفادة من الواقع القائم والعمل على تغييره في الوقت المناسب. كما تبرز قيمة العلاقات الاجتماعية والدعم القريب في مواجهة التحديات الكبرى، وهو ما يمكن أن نستخلصه كدرس مستمر في جميع مراحل الإصلاح والتغيير.