سلسلة دروس وعبر من السيرة النبوية الشريفة (20): بيعة العقبة الأولى

 Muhammad ﷺ Series

الحقائق التاريخية:

في أثناء مرور الرسول ﷺ على القبائل في موسم الحج ـ كعادته في كل عام ـ لدعوتهم إلى الإسلام وترك عبادة الأوثان، وبينما هو عند العقبة التي تُرمى عندها الجمار، لقي رهطاً من الأوس والخزرج، فدعاهم إلى الإسلام، فأسلموا، وكان عددهم سبعة، ثم عادوا إلى المدينة، فذكروا لقومهم لُقيامهم النبي ﷺ وما دانوا به من الإسلام.

وفي العام التالي لاثنتي عشرة سنة من البعثة وافى موسم الحج اثنا عشر رجلا من الأنصار، فاجتمعوا بالنبي ﷺ وبايعوه، فلما عادوا أرسل معهم مصعب بن عمير إلى المدينة ليقريء المسلمين فيها القرآن، ويعلمهم الإسلام، فانتشر الإسلام في المدينة انتشاراً كبيراً.

تسمى البيعة الأولى أيضا ببيعة النساء وذلك لأنّ الرسول ﷺ قد بايعهم على ستة أشياء قد تم ذكرها في سورة الممتحنة

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

ويجب التنويه هنا على أنّ هذه البيعة تسمى أيضا ببيعة الدين أما بيعة العقبة الثانية فتسمى ببيعة الدولة ومن هنا نفهم خطأ من يزعمون أنّ الإسلام دين فقط فالإسلام دين ودولة وسنفرد مقالا خاصا لشرح هذا المفهوم باستفاضة.

الدروس المستفادة:

في عرض الرسول نفسه على القبائل في موسم الحج دليل أن الداعية لا ينبغي أن يقتصر في دعوة الناس إلى الخير ضمن مجالسه وفي بيئته فحسب، بل يجب أن يذهب إلى كل مكان يجتمع فيه الناس أو يمكن أن يجتمعوا فيه، فقد يهيئ الله له أنصاراً يؤمنون بدعوته الخيّرة من حيث لا يفكر ولا يحتسب.

وقد يكون لهذه القلة التي تهتدي به في بعض المناسبات شأن كبير في انتشار دعوة الحق والخير وفي انتصارها النصر النهائي على الشر وأعوانه. فلقد كان لإيمان السبعة الأوائل من الأنصار الذين التقوا برسول الله أول مرة ما أدى إلى تغلغل الإسلام في المدينة، وكان لهذا التغلغل أثر في انتشار الإسلام وسيطرته عليها، مما مهّد للمؤمنين المضطهدين في مكة أن يجدوا في المدينة مهاجرا يتمركزون فيه، ولرسول الله ﷺ موئلاً أميناً يقيم فيه دولته.

أحدث الدراسات:

التواصل الشخصي المباشر هو أداة قوية في نشر الأفكار وتعزيز التغيير. دراسات علم الاجتماع تؤكد أن بناء العلاقات الشخصية مع الآخرين يُعد أحد أكثر أساليب التأثير فاعلية، خاصة عند تقديم رسالة جديدة. لذلك، كانت استراتيجية النبي ﷺ في لقاء القبائل ودعوتهم للإسلام خلال موسم الحج من أذكى الوسائل الدعوية.

كما توضح الأبحاث في مجال الشبكات الاجتماعية أن التجمعات الكبرى تمثل فرصة ذهبية لتوسيع نطاق الأفكار. موسم الحج، بتنوع ثقافاته وجغرافيته، كان مناسبة مثالية لبناء جسور تواصل تتخطى الحدود المكانية والاجتماعية.

إرسال مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى المدينة كمبعوث نبوي يُظهر أهمية التمكين والتعليم في نشر الأفكار. تشير دراسات في القيادة إلى أن تأهيل الكوادر القادرة على تمثيل القيم ونقلها يؤدي إلى انتشار أسرع وأكثر استدامة للرسالة.

خاتمة:

نهج النبي ﷺ في استغلال التجمعات الكبيرة للدعوة إلى الخير يبرز أهمية الخروج من الدائرة المغلقة والتواصل مع المجتمعات الأخرى. تواضعه وحكمته في التواصل الشخصي كانت أدوات أساسية في تحقيق انتشار الإسلام، لتكون هذه التجربة مثالاً يحتذى به لكل من يسعى للتغيير الإيجابي في المجتمع.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام