سلسلة دروس وعبر من السيرة النبوية الشريفة (25): دور الشباب والنساء في الهجرة
الحقائق التاريخية:
خرج رسول الله ﷺ وصاحبه أبو بكر ولم يعلم بأمر هجرته إلا عليّ رضي الله عنه وآل أبي بكر رضي الله عنه، وعملت عائشة وأسماء بنتا أبي بكر في تهيئة الزاد لهما، وقطعت أسماء قطعة من نطاقها ـ وهو ما يُشدّ به الوسط ـ فربطت به على فم الجراب ـ وعاء الطعام ـ فسميت لذلك: ذات النطاقين.
اتجه الرسول وأبو بكر مع دليلهما عن طريق اليمن حتى وصلا إلى "غار ثور" فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر وهو غلام شاب حاذق سريع الفهم فيخرج من عندهما بالسَّحَر، ويصبح مع قريش بمكة كأنه كان نائماً فيها، فلا يسمع من قريش أمراً يبيّتونه من المكروه لهما إلا وعاه حتى يأتيهما في المساء بخبره.
الدروس المستفادة:
في موقف عبدالله بن أبي بكر ما يثبت أثر الشباب في نجاح الدعوات، فهم عماد كل دعوة إصلاحية، وباندفاعهم للتضحية والفداء، تتقدم الدعوات سريعا نحو النصر والغلبة، ونحن نرى في المؤمنين السابقين إلى الإسلام كلهم شبابا، فرسول الله ﷺ كان عمره أربعين سنة عند البعثة، وأبو بكر رضي الله عنه كان أصغر منه بثلاث سنين، وعمر رضي الله عنه أصغر منهما، وعلي رضي الله عنه أصغر الجميع، وهكذا كان كل صحابة النبي من الشباب الذين حملوا أعباء الدعوة على كواهلهم، فتحملوا في سبيلها التضحيات، واستعذبوا من أجلها العذاب والألم والموت، وبهؤلاء انتصر الإسلام.
وفي موقف عائشة وأسماء رضي الله عنهما أثناء هجرة الرسول ﷺ ما يثبت حاجة الدعوات الإصلاحية إلى النساء، فهنّ أرق عاطفة، وأكثر اندفاعا، وأسمح نفسا، وأطيب قلبا. والمرأة إذا آمنت بشيء لم تبال في نشره والدعوة إليه بكل صعوبة، وعملت على إقناع زوجها وإخوتها وأبنائها به.
ولا ننسى أن الفضل الكبير في تربية صغار الصحابة ثم التابعين من بعدهم يعود إلى نساء الإسلام اللاتي أنشأن هذه الأجيال على أخلاق الإسلام وآدابه، وحب الإسلام ورسوله، فكانت أكرم الأجيال التي عرفها التاريخ في علو الهمة، واستقامة السيرة، وصلاح الدين والدنيا.
أحدث الدراسات:
تشير الأبحاث الحديثة إلى أهمية إشراك الشباب والنساء في القيادة والمبادرات المجتمعية لتحقيق النجاح والنهوض بالمجتمعات. إحدى الدراسات الحديثة أكدت أن الشباب والنساء يمتلكون طاقات إبداعية وقدرات فريدة تؤهلهم لتحمل مسؤوليات كبيرة، وأن إشراكهم في العمل الاجتماعي والسياسي يزيد من فاعلية الإنجازات ويدعم الأهداف الجماعية. كما أثبتت دراسات في مجال التنمية البشرية أن النساء يلعبن دورًا محوريًا في بناء الأجيال ونقل القيم، خاصة عندما يتعلق الأمر بمبادئ الإيمان والأخلاق.
الخاتمة:
تبرز أحداث الهجرة النبوية الدور المحوري للشباب والنساء في نجاح الدعوات الإصلاحية وتحقيق الأهداف السامية. فقد حمل الشباب أعباء الدعوة وضحّوا بالغالي والنفيس من أجل نصرتها، بينما أدّت النساء دورًا عظيمًا في تهيئة الأجواء المناسبة وتربية الأجيال على الأخلاق والمبادئ. هذه الدروس ليست فقط من الماضي، بل هي رسالة حية للأمة في كل عصر للاستفادة من قدرات كل فرد، بغض النظر عن عمره أو جنسه، لتحقيق النهضة والارتقاء بالمجتمع.
Comments
Post a Comment