سلسلة دروس وعبر من السيرة النبوية الشريفة (28): بناء المسجد

 Muhammad ﷺ Series

الحقائق التاريخية:

كان الرسول ﷺ وهو في طريقه إلى المدينة قد وصل إلى "قباء" وهي قرية جنوب المدينة على بعد ميلين منها، فأسّس فيها أول مسجد بُني في الإسلام، وأقام فيها أربعة أيام،.

ثم سار صباح الجمعة إلى المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف، فبني مسجداً فيها، وأقام أول جمعة في الإسلام، وأول خطبة خطبها في الإسلام.
ثم سار إلى المدينة، فلما وصلها كان أول عمل عمله بعد وصوله أن اختار المكان الذي بركت فيه ناقته ليكون مسجدا له.

ثم ندب المسلمين إلى الاشتراك في بناء المسجد، وكان النبي ﷺ ينقل معهم اللًّبن، حتى تم بناء المسجد، جدرانه من لَبن، وشقفه من جريد النخل مقاما على الجذوع.

الدروس المستفادة:

بناء الرسول لهذه المساجد الثلاثة يدلنا على أهمية المسجد في الإسلام فللمسجد رسالة اجتماعية وروحية عظيمة الشأن في حياة المسلمين، فهو الذي يوحّد صفوفهم، ويهذّب نفوسهم، ويوّقظ قلوبهم وعقولهم، ويحل مشاكلهم، وتظهر فيه قوتهم وتماسكهم.

ولقد أثبت تاريخ المسجد في الإسلام أن منه انطلقت جحافل الجيوش الإسلامية لغمر الأرض بهداية الله، ومنه انبعثت أشعة النور والهداية للمسلمين وغيرهم، وفيه ترعرعت بذور الحضارة الإسلامية ونمت.

وميزة أخرى للمسجد في الإسلام أنه تنبعث منه في كل أسبوع كلمة الحق مدوية مجلجلة على لسان خطيبه، في إنكار منكر أو أمر بمعروف، أو دعوة إلى خير، أو إيقاظ من غفلة، أو دعوة إلى تجمع، أو احتجاج على ظالم، أو تحذير لطاغية أو)هكذا يجب أن يكون(.

أحدث الدراسات:

تشير الدراسات الحديثة إلى أهمية دور أماكن العبادة في تعزيز الترابط المجتمعي وتوفير الإرشاد الروحي. في دراسة أجرتها جامعة "هارفارد" حول تأثير المساجد في المجتمعات الإسلامية، وُجد أن المساجد لا تعمل فقط كمراكز للصلاة والعبادة، بل تلعب دورًا كبيرًا في تقديم الخدمات الاجتماعية، وتنظيم الأنشطة الثقافية، ونشر الوعي بالقضايا المجتمعية. وتظهر أبحاث أخرى أن المساجد، بفضل دورها المحوري، تُعد وسيلة فعّالة في معالجة التحديات الاجتماعية مثل البطالة أو القضايا الأخلاقية من خلال الوعظ والإرشاد الجماعي.

وقد أكدت دراسات علم الاجتماع أن المساجد تمثل منصة تعليمية يمكن أن تغيّر حياة الأفراد عن طريق تعزيز القيم الأخلاقية، ونقل العلم، وتعزيز العلاقات بين مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، مما يعزز من تماسك المجتمع بأسره.

الخاتمة:

إن بناء النبي ﷺ للمساجد في بداية الدعوة الإسلامية هو دعوة لنا إلى الحفاظ على مكانة المسجد في حياتنا. فالمسجد ليس فقط بيتًا للعبادة، بل هو نواة لكل عمل إصلاحي واجتماعي في المجتمع الإسلامي. علينا أن نعيد للمسجد دوره الريادي كمصدر للنور الروحي والاجتماعي، ونتذكر دائمًا أن رسالته لا تقتصر على الصلاة فقط، بل تمتد إلى كل جوانب الحياة. ومن خلال تعزيز دور المسجد، يمكننا أن نعيد للمجتمعات الإسلامية قوتها وترابطها، تمامًا كما فعلت المساجد في العصور الأولى للإسلام.

 

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام