سلسلة دروس وعبر من السيرة النبوية الشريفة (30): الإذن بالقتال
الحقائق التاريخية:
ما كاد يستقر النبي ﷺ في المدينة حتى بدأت المعارك الحربية بينه وبين قريش ومن والاها من قبائل العرب، وقد اصطلح المؤرخون المسلمون على أن يسمّوا كل معركة بين المسلمين والمشركين وحضرها النبي بنفسه "غزوة" وكل مناوشة حصلت بين الفريقين ولم يحضرها الرسول ﷺ "سريّة".
الدروس المستفادة:
شريعة الجهاد في الإسلام من أجلّ الشرائع، قال رسول الله ﷺ: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله". ونحن نرى كفار قريش قد أخرجوا النبي ﷺ من بين أظهرهم، وهموا بقتله، وشردوا أصحابه، فلما استقروا بالمدينة وصارت لهم دار إسلام ومعقلا يلجئون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾.
ويجدر الإشارة هنا أن الإسلام دين واقعي لا يُغمض عينه عن الواقع ويتبع الأوهام والمُثل العليا إزاء قوم لا يؤمنون بهذه المثل، ولا يحترمونها، فكان لا بد له من أن يحتمي بالقوة، ويستعد لرد العدوان، ويقضي على قوة الباطل وشوكته، لينفسح المجال أمام دعوته الخيّرة المحرّرة، تخاطب العقول، وتزكي النفوس، وتصلح الفساد، وتجعل للخير أعلاما يهتدى بها، ومنارات تضيء الطريق لمبتغي الهداية والخير والرشاد.
أحدث الدراسات:
أظهرت دراسات حديثة أهمية المفاهيم التي تبنى على الدفاع عن النفس وحرية العقيدة في تحقيق السلام العالمي والتي أوضحت أن التشريعات المتعلقة بالدفاع عن النفس والتي تنبع من مبادئ العدل تحمي حقوق الأفراد والمجتمعات، وتساهم في تقليل النزاعات طويلة الأمد. هذه الدراسات أكدت على أن أي تشريع يدعو للسلام يحتاج إلى آلية تحميه من التعديات لضمان استمراريته.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت ورقة بحثية نُشرت في مجلة العلوم السياسية والاجتماعية إلى أن قوة الردع التي تمتلكها الجماعات ذات العقائد الراسخة، والتي تدعمها مبادئ أخلاقية وإنسانية، تُسهم بشكل كبير في استقرار المجتمعات المتعددة الثقافات، مما يجعلها قادرة على مواجهة التحديات دون الانزلاق إلى الفوضى أو التسلط.
الخاتمة:
من خلال استعراضنا للحقائق التاريخية والدروس المستفادة والدراسات الحديثة، يتضح أن شريعة الجهاد في الإسلام ليست فقط وسيلة للدفاع عن النفس بل أيضًا أداة لنشر العدل والحق. الإسلام دين واقعي يوازن بين القوة والرحمة، ويضع مبادئ ثابتة تضمن تحقيق السلام الداخلي والخارجي. لذا، يبقى دورنا كأمة هو التمسك بهذه القيم ونقلها للأجيال القادمة بما يخدم الإنسانية جمعاء.
Comments
Post a Comment