سلسلة دروس وعبر من السيرة النبوية الشريفة (5): رعي الغنم

 Muhammad ﷺ Series

الحقائق التاريخية:

كان عليه الصلاة والسلام يرعى في أوائل شبابه لأهل مكة أغنامهم بقراريط يأخذها جرا على ذلك وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من نبي إلا قد رعى الغنم" قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا

ثم لما بلغ الخامسة والعشرين من عمره عمل لخديجة بنت خويلد في التجارة بمالها على أجر تؤديه له

علمنا فيما بعد أن تجارة خديجة قد ازدهرت وفاضت عليها بالربح الوفير نتيجة أمانة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه في التعامل مع الناس وحصافته وذكائه فقد كان تاجرا كفئا مما أدى إلى طلب خديجة الزواج من النبي على ما ورد في السيرة

الدروس المستفادة:

أن الداعية أو المصلح ينبغي أن يعتمد في معيشته على جهده الشخصي أو مورد شريف لا استجداء فيه ولا ذلة ولا مهانة. إن الدعاة الصادقين الشرفاء يربؤون بأنفسهم أن يعيشوا من صدقات الناس وأعطيتهم وأية كرامة تكون لهم في نفوس قومهم بعد أن يهينوا أنفسهم بذل السؤال والاستجداء. ومن ارتضى لنفسه المهانة فكيف يستطيع أن أن يدعوا إلى مكارم الأخلاق ويقف في وجه الطغاة والمفسدين ويحارب الشر والفساد ويبعث في الأمة روح الكرامة والشرف والاستقامة.

وقد احتذى سلفنا الصالح وأئمتنا بذلك فلم يرض المهاجرون على سبيل المثال لا الحصر بما عرضه الأنصار عليهم بل اختاروا التعب والمشقة والعمل ولم يرضوا بأن يكونوا عالة على الأنصار.

ومن آفة عصرنا الحديث أن تكون تولية العلماء والمشايخ والأئمة من الدولة التي تتحكم بهم فتفرض عليهم ما يقولونه وما لا يستطيعون قوله فضلوا وأضلوا. خوف العالم على رزقه يمنعه من الوقوف ضد ظلم الحاكم وانحرافه. فكما يقول المصريون: أطعم الفم تستحي العين.

أحدث الدراسات:

الاستقلال المالي وأثره على النزاهة الأخلاقية:

دراسة نُشرت في مجلة Journal of Business Ethics أوضحت أن الأفراد الذين يعتمدون على مواردهم الذاتية أو أعمالهم الشخصية لتحقيق دخلهم يُظهرون مستويات أعلى من النزاهة الأخلاقية والقدرة على اتخاذ قرارات صعبة. هذا يتوافق مع حياة النبي ﷺ أثناء شبابه، حيث اعتمد على عمله في رعي الأغنام والتجارة مع خديجة، مما عزز احترام الناس له وأهّله ليصبح قائدًا وداعيًا.

تأثير العمل الجاد على احترام الذات والقيادة:

بحث من جامعة Harvard نُشر في Psychological Science أثبت أن الأشخاص الذين يعملون بجد لكسب معيشتهم يكتسبون احترامًا أكبر من محيطهم ويصبحون أكثر قدرة على التأثير في مجتمعاتهم. العمل في رعي الأغنام كان بمثابة مدرسة للنبي ﷺ علّمته الصبر والتواضع، وجعلت منه قائدًا يعتمد على نفسه ولا يقبل المهانة أو العيش على عطاء الآخرين.

الخاتمة:

يعلمنا هذا الدرس من حياة النبي ﷺ أن العمل الشريف، مهما كان بسيطًا أو شاقًا، يُعزز من قيمة الفرد واحترامه في مجتمعه. الاستقلال المالي هو أساس الكرامة، وهو ما يجعل الداعية أو القائد قادرًا على نشر القيم والمبادئ بحرية ودون أن يكون رهينًا لمصالح الآخرين أو ضغوطاتهم. في زمننا الحالي، يُعد هذا الدرس أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث تُهدد المصالح المادية نزاهة الكثير من القادة والدعاة.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام