في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (10) — الأكوان المتعددة
جلسنا في الحديقة الخلفية، حيث كان النسيم العليل يلامس وجوهنا، والنجوم تتلألأ في السماء وكأنها تشارك في هذا النقاش الفريد. الكائن الفضائي حدق في الأفق، ثم قال بنبرة محايدة:
"ما المانع أن تكون هناك أكوان كثيرة، وكونكم أتى بين هذه الأكوان بالصدفة؟ ألا تبدو هذه فرضية معقولة؟"
ابتسمتُ بهدوء قبل أن أجيب:
"فرضية الأكوان المتعددة تبدو مثيرة، لكنها لا تتجاوز كونها تخميناً بلا دليل. كما قال الفيزيائي جون بولكنجهون: 'الأكوان المتعددة ليست فيزياء، بل هي في أحسن الأحوال تصور ميتافيزيقي، ولا يوجد سبب علمي واحد يدعو للإيمان بها.'"
قاطعتني ابنته، وقد بدت مهتمة بالنقاش:
"لكن ألا تعتقد أن العلم قد يكتشف في المستقبل أدلة تدعم هذه الفرضية؟"
فكرت قليلا ثم قلت:
"العلم لا يبني على احتمالات غير قابلة للاختبار. راسل ستانرد، عالم الفيزياء، صرح بوضوح: 'لا توجد حتى معادلة فيزيائية واحدة تدعم فرضية الأكوان المتعددة.' الفرضية قائمة على تصورات فلسفية لا يمكن إخضاعها للرصد أو التجربة."
تدخل والده، قائلاً بتفكير عميق:
"لكن لنفترض جدلاً أن هذه الأكوان موجودة، هل ينفي ذلك الحاجة إلى خالق؟"
ابتسمت وقلت:
"على العكس تماماً. حتى لو افترضنا وجود أكوان متعددة، فإنها ستكون منعزلة سببياً، أي أن كل كون مستقل بقوانينه ولا يُفسّر وجوده بوجود كون آخر. وبالتالي، سيظل السؤال قائماً: ما مصدر هذه الأكوان؟ ومن الذي نظم قوانينها المختلفة؟"
تنهد الكائن الفضائي وقال:
"لكن احتمال وجود عدد لا نهائي من الأكوان يجعل من الطبيعي أن يظهر كون مضبوط مثل كونكم."
أجبت بثقة:
"هذا تشبيه مضلل. تخيل أنني سألتك عن أصل هذا العصفور الجميل، فأجبتني قائلاً: 'لدينا أعداد كثيرة منه على كوكبنا، وبعضهم يمتلك صوتا عذبا.' هل هذا يفسر وجوده؟ بالطبع لا. الأكوان المتعددة، حتى لو كانت موجودة، لا تفسر شيئاً."
تأملت زوجته في النجوم، ثم سألت:
"هل هناك نص ديني في كتابكم يتحدث عن مثل هذه الفرضيات؟"
فكرت قليلا في سؤالها ثم أجبت:
"على قدر علمي لا يوجد دليل شرعي على استحالة وجود أكوان متعددة، لكن المشكلة تكمن في تدليس الملحدين حين يفترضون أن كل كون يعتمد على الآخر. الحقيقة أن كل كون، على فرض وجوده، مستقل تماماً، وله ثوابته الخاصة، مما يجعل فكرة الصدفة غير مقبولة."
ثم أضفت، وأنا أقتبس من القرآن الكريم:
قال تعالى' :وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ'.
هذا هو حال من يتجاهل صوت العقل والفطرة، متمسكاً بفرضيات لا تسمن ولا تغني من جوع.
ساد الصمت للحظات، ثم أشرق وجه الكائن الفضائي بابتسامة خفيفة، وكأنه بدأ يرى الأمور من منظور مختلف.
تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب بصائر، تأليف د. هيثم طلعت، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.
Comments
Post a Comment