حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (12): هل تحتاج العبادة حقًا إلى دولة... أم يكفيك قلبك؟

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة

غادر الكائن الفضائي الغرفة بعد أن ألقى كلماته الأخيرة كمن يغرس خنجرًا في أعماقي:

"هل يمكنك أن تفصل بين العدالة والحكم؟ بين الأخلاق والسياسة؟ الإسلام لم يفصل بينهما قط. ربما أنت فقط من يحاول ذلك."

تركني وحيدًا مع صدى صوته يتردد في الزنزانة، وفي رأسي سؤال يرفض أن يصمت.

لطالما تساءلتُ: 

كيف يمكن لأمةٍ أن تنهض بدينها دون أن يكون لها كيانٌ سياسي يحمي شعائرها؟ 

لم يكن هذا مجرد سؤالٍ عابرٍ راودني، بل كان هاجسًا يتردد صداه في أعماقي كلما تأملت أركان الإسلام الخمسة.


شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله

هي النور الذي ينير قلب كل مسلم، يمكن لأي شخص أن ينطق بها بمفرده.

 لكن هل يكفي هذا؟ 

ماذا عن باقي الأركان التي تحتاج أكثر من مجرد نطق أو نية؟ 

ماذا عن الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج؟ 

كيف يمكن أداء هذه العبادات كما أراد الله ﷻ دون نظام يحكمها؟


الصلاة: نداءٌ للوحدة والانضباط

تخيل مجتمعًا يُرفع فيه الأذان بحرية، يصدح صوته في كل أرجاء المدينة، فيتوقف الناس عن أعمالهم، ويقفون صفًا واحدًا، متساوين بين غني وفقير، حاكم ومحكوم. هذا ليس مجرد خيال، بل كان واقعًا في دولة المدينة التي أسسها النبي ﷺ.

لكن ماذا لو عشت في مكانٍ يُمنع فيه الأذان، أو لا توجد فيه مساجد تقام فيها الصلوات جماعة؟ 

هل ستبقى للصلاة نفس الروح التي أرادها الله؟ 

لقد رأينا جميعا ما حدث حينما أرادت "الدولة" منع المسلمين من الاعتكاف في رمضان. هل ذكّرهم أحد بأننا تركنا لكم السياسة فاتركوا لنا ديننا؟ يبدو أن الدين والسياسة لا ينفصلان رغم كل محاولاتنا.

وحدها الدولة الإسلامية القادرة على ضمان بناء المساجد وإدارتها، وتعيين الأئمة، وتنظيم شؤون العبادات.


الزكاة: نظامٌ للعدالة الاقتصادية

ليست الزكاة مجرد صدقةٍ يتفضل بها الغني على الفقير. 

إنها نظام اقتصادي متكامل يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. 

في دولة النبي ﷺ، لم تكن الزكاة تُدفع طواعية فقط، بل كانت تُجمع وتُوزع بإشراف الدولة لضمان وصولها لمستحقيها.

تخيل عالمًا تُترك فيه الزكاة للأفراد دون رقابة أو تنظيم. 

ستجد الفقراء يزدادون فقرًا، والأغنياء يزدادون ثراءً، وينهار التوازن الذي أراده الله ﷻ. 

وحدها الدولة الإسلامية تضمن أن تُجمع الزكاة وتُوزع بعدلٍ وإنصاف.


الصوم: عبادةٌ جماعية بطابعٍ فردي

في رمضان، لا نصوم وحدنا. 

إنه شهرٌ يملأه الشعور بالانتماء لمجتمعٍ كامل يصوم ويُفطر معًا. 

صلاة التراويح، موائد الإفطار، ومشاعر التضامن مع الفقراء والمحتاجين. 

كل هذا يتجسد في ظل دولةٍ تُعلي من شأن هذا الشهر وتنظم شؤونه.

لكن ماذا عن المسلمين في بلادٍ لا تعترف برمضان، حيث يُجبر الناس على العمل دون مراعاة لصيامهم؟ 

هنا يظهر دور الدولة الإسلامية في تهيئة البيئة التي تعزز من روحانية هذا الشهر.


الحج: رحلةٌ تحتاج لدولة

الحج ليس مجرد رحلة روحية، إنه تجمع عالمي يحتاج إلى بنية تحتية وتنظيم دقيق. 

الملايين يأتون من كل حدب وصوب، وكل خطوة من خطواتهم تحتاج لتخطيط وإدارة. 

على مر العصور، كان للحكام المسلمين دورٌ أساسي في تنظيم شؤون الحج، من تأمين الطرق إلى بناء المرافق اللازمة.

بدون دولةٍ قوية تدير هذه الشعيرة، كيف يمكن للحجاج أداء مناسكهم بأمانٍ وطمأنينة؟


تحريم الربا: اقتصادٌ بلا استغلال

قال الله تعالى: 

"فَإِن لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"  

 تحذيرٌ صريحٌ ضد الربا، لأنه نظام يُغرق الفقراء في الديون ويزيد الأغنياء ثراءً.

لكن كيف يمكن للفرد أن يتجنب الربا في نظام اقتصادي عالمي قائم عليه؟ 

هنا يأتي دور الدولة الإسلامية التي تضع قوانين تحمي الاقتصاد من هذا الداء وتوفر بدائل عادلة.


الخاتمة: الإسلام ليس مجرد عبادات فردية

أركان الإسلام ليست طقوسًا شخصيةً معزولة. 

إنها منظومة متكاملة تحتاج لدولةٍ تحميها، وتنظمها، وتضمن تطبيقها كما أراد الله. 

هذا ما فعله النبي ﷺ في المدينة، حين أسس دولةً جعلت من الإسلام أكثر من مجرد دينٍ، بل نظام حياةٍ كاملٍ.

لقد أدركت أن الإسلام بلا دولةٍ يفقد جزءًا من روحه وجوهره. 

فلنعد التفكير: 

هل نؤدي أركان ديننا كما ينبغي دون كيانٍ يحميها؟ أم أن الوقت قد حان لاستعادة هذا الدور الذي فقدناه؟

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام