في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (12) — ميكانيكا الكم وتوهم الإلحاد
جلسنا هذه المرة على مقعد خشبي في حديقة صغيرة، تحيط بنا الأشجار وتتناثر أوراقها الصفراء على الأرض كأنها بقايا أفكارٍ عتيقة تنتظر من يجددها.
قال الكائن الفضائي بنبرة متحدية:
"لقد قرأت عن ميكانيكا الكم، ويبدو أنها تُظهر أن الكون ليس بحاجة لسبب لوجوده. الجسيمات الكمومية تظهر وتختفي من الفراغ دون أي سبب واضح. أليس هذا دليلاً على أن السببية مجرد وهم؟"
ابتسمت، وقلت بهدوء:
"هذا واحد من أكبر سوء الفهم حول ميكانيكا الكم. دعني أوضح لك".
استطردت قائلا بحماس:
"في ميكانيكا الكم، هناك ظواهر تبدو عشوائية مثل 'التقلبات الكمومية' حيث تظهر جسيمات افتراضية وتختفي. لكن هذا لا يعني غياب السببية. كل هذه الظواهر تحدث ضمن نظام محكوم بقوانين صارمة مثل معادلة شرودنجر. العشوائية هنا ليست بلا نظام، بل هي جزء من نظام احتمالي دقيق."
تساءل الكائن الفضائي:
"ولكن إذا كان هناك عشوائية، أليس ذلك ينفي الحاجة لسبب؟"
أجبته:
"العشوائية الكمومية لا تعني الفوضى المطلقة. حتى اليانصيب عشوائي، لكنه يحدث ضمن نظام محدد بقوانين واضحة. الفرق هو أن ميكانيكا الكم تحكمها احتمالات دقيقة، وليست عشوائية عبثية بلا قانون."
أضفت:
"ثم هناك نقطة أكثر أهمية. حتى هذه الجسيمات الافتراضية لا تظهر من 'لا شيء' كما يروج بعض الملحدين. إنها تظهر من فراغ كمومي غني بالطاقة، تحكمه قوانين فيزيائية معقدة. هذا ليس 'لا شيء'، بل هو 'شيء' له بنية وقوانين."
سكت قليلاً، ثم قلت:
"أما القول إن الكون نشأ بلا سبب لأن الجسيمات تظهر هكذا، فهو مغالطة منطقية. لا يمكن تطبيق سلوك الجسيمات دون الذرية على الكون بأكمله. هذا مثل أن تقول: لأن جزيئات الماء صغيرة وشفافة، يجب أن يكون جبل الجليد كذلك."
نظر إليّ الكائن الفضائي بصمت، ثم قال:
"ولكن ماذا عن الحتمية؟ ميكانيكا الكم تثبت أن الكون ليس حتمياً، أليس كذلك؟"
أجبته:
"للأمانة العلمية فهذا أمر مختلف فيه، لكن حتى بافتراض عدم الحتمية في ميكانيكا الكم فهذا لا ينفي وجود نظام أو غاية. هو فقط يعني أن النتائج لا يمكن التنبؤ بها بدقة مطلقة، لكنها تظل ضمن احتمالات محسوبة. وهذه الاحتمالات نفسها جزء من تصميم دقيق."
ثم ختمت:
"الله ﷻ يقول: 'وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ'. إذا تأملت في أعماق نفسك وفي الكون من حولك، ستدرك أن كل شيء محكوم بقوانين دقيقة حتى في أكثر ظواهره غرابة. العلم لا يلغي الخالق، بل يكشف عن بديع صنعه."
تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب بصائر، تأليف د. هيثم طلعت، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.
Comments
Post a Comment