في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (13) — حضارة عظيمة
جلسنا في الحديقة العامة، حيث النسيم العليل يتلاعب بأوراق الشجر، وأصوات الطيور تملأ الأفق. نظر إليَّ الكائن الفضائي بعينيه المتوهجتين وقال:
"لقد طرحتَ فكرة أن الكون خُلِق بإحكام مذهل، وأنه دليل على وجود خالق عظيم. لكن ماذا لو كانت هناك حضارة عظيمة سبقتنا بمليارات السنين؟ حضارة متقدمة تكنولوجيًا، استطاعت بقدراتها أن تُنشئ كوننا؟ أليس هذا احتمالًا منطقيًا؟"
تأملت في كلماته قليلًا، ثم سألته:
"تقصد أن هناك كائنات مادية أوجدت كوننا؟"
أجاب بهدوء:
"بالضبط! قد تكون حضارة فائقة الذكاء تمتلك معرفة تفوق ما لدينا بمراحل، وربما استطاعت خلق الأكوان باستخدام تقنيات لا نستطيع حتى تخيلها. هذا التفسير يزيل الحاجة إلى إله غيبي، ويستبدله بكيان مادي متطور".
ابتسمت وقلت:
"هذا سؤال مثير للاهتمام، لكنه يطرح تساؤلًا أعمق: من أين أتت هذه الحضارة العظيمة؟"
ارتبك قليلًا، ثم قال:
"ربما تطورت عبر مليارات السنين، أو وجدت بالصدفة داخل كون سابق"!
أجبته بابتسامة ساخرة:
"إذن أنت لم تفسر شيئًا، بل فقط أضفت خطوة إضافية إلى السؤال نفسه! فإذا كانت هذه الحضارة العظيمة قد جاءت من كون سابق، فمن الذي خلق ذلك الكون؟ وإذا قلنا إن هناك حضارة أخرى سبقتها، فمن أين جاءت؟ سنظل ندور في حلقة لا نهائية من التسلسل، دون الوصول إلى أصل الأمور".
هنا نظر إليَّ بتمعن وقال:
"إذن، أنت تستند إلى مفهوم أن هناك نقطة بداية لكل شيء؟"
بالضبط. وهنا نصل إلى جواب سؤال قديم طالما ردده الملاحدة:
"إذا كان لكل شيء خالق، فمن خلق الخالق؟"
تنهدت وأكملت:
"هذا السؤال قد يبدو قويًا في ظاهره، لكنه في الحقيقة مغالطة منطقية. لأننا عندما نقول "كل شيء يحتاج إلى خالق" فنحن نقصد كل شيء مادي محدود بزمان ومكان، وليس الوجود المطلق غير المحتاج إلى سبب".
وضّح أكثر.
"حسنًا، لنفترض أنك وجدت ساعة متقنة الصنع في مكان مهجور. منطقك سيقول إن هناك صانعًا لهذه الساعة، لأن الساعات لا تُوجد من العدم. لكن هل يمكننا أن نطرح السؤال نفسه على الصانع؟ من صنعه؟ بالطبع لا، لأننا نتحدث عن شيء مختلف تمامًا، فالصانع ليس مجرد آلة أخرى، بل كائن عاقل له إرادة. وكذلك، عندما نتحدث عن الكون، فإننا نستدل على وجود خالق لا تنطبق عليه قوانين المادة، ولا يخضع للزمن والمكان".
هنا ساد صمت قصير، ثم قال الكائن الفضائي:
"لكن ألا يمكن أن يكون الكون أزليًا بلا بداية، وبالتالي لا يحتاج إلى خالق؟"
ابتسمت وقلت:
"العلم نفسه دحض هذا الاحتمال منذ عقود. نظرية الانفجار العظيم تؤكد أن الكون له بداية محددة، وأنه لم يكن موجودًا ثم وُجد. بل إن القوانين الفيزيائية تشير إلى أن الزمن نفسه بدأ مع نشوء الكون، مما يعني أن أي كيان مادي داخل هذا الكون لا يمكن أن يكون هو السبب في وجود الكون نفسه. وهذا يعني أن أي حضارة عظيمة مادية لا يمكن أن تكون هي الخالق، لأنها ستحتاج بدورها إلى سبب سابق عليها".
أطرق الكائن الفضائي مفكرًا، ثم قال:
"إذن، نحن أمام خيارين: إما أن هناك سلسلة لا نهائية من المسببات، وهو ما يؤدي إلى استحالة حدوث أي شيء، أو أن هناك سببًا أوليًا غير محتاج إلى سبب آخر، وهذا يعني وجود خالق أزلي فوق المادة والزمن".
أجبته بابتسامة رضا:
"بالضبط. التسلسل في الفاعلين يؤدي بالضرورة إلى عدم وقوع الأفعال، وهذه قاعدة عقلية لا يمكن الهروب منها".
نظر إليَّ نظرة طويلة، ثم قال بصوت هادئ:
هذا يجعلني أعيد التفكير مجددًا...
تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب بصائر، تأليف د. هيثم طلعت، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.
Comments
Post a Comment