حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (14): من يحكم العالم حقًا؟ حوار يكشف وهم السيادة البشرية (الجزء الثاني)

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة

لم أكن أدرك أن هذا الحوار سيقلب كياني. جلستُ في زنزانتي الضيقة، أراقب جدرانها التي بدت وكأنها تضيق أكثر مع كل فكرة جديدة يزرعها ذلك الكائن الفضائي في رأسي. دخل عليّ مجددًا، خطواته هادئة لكن حضوره أثقل من أي سلاسل يمكن أن توضع حول معصمي.

نظر إليّ بعينيه العميقتين وقال: 

"هل ما زلت تعتقد أن الإنسان يحكم هذا العالم؟"

ابتسمت بسخرية: 

"بالطبع. أليست لدينا دول، حكومات، جيوش، وقوانين؟ البشر هم من يسنّون القوانين، وهم من يطبقونها. نحن من نملك السيادة."

اقترب ببطء حتى أصبحت ملامحه واضحة تحت الضوء الخافت: 

"ولكن، ما معنى السيادة بالنسبة لك؟ هل تعني القدرة على اتخاذ القرار؟ أم التحكم الكامل بمصير الأمور؟"


ترددت قليلًا قبل أن أجيب: 

"هي الحق المطلق في اتخاذ القرارات وتنفيذها."

ضحك، ضحكة باردة تخترق الأعماق: 

"حق مطلق؟ وهل يمتلك البشر هذا الحق؟"

دعني أسألك: 

"إذا قرر حاكم دولة ما أن لا يموت، هل يتحقق قراره؟ إذا قرر زعيم أن يتحكم بالطقس أو يمنع الزلازل، هل ينجح؟"


شعرت بوخز خفي في داخلي، لكني تمسكت بموقفي: 

"هذه قوى طبيعية، لا علاقة لها بالسيادة السياسية. البشر يحكمون فيما يتعلق بشؤونهم الداخلية، بالقوانين التي تنظم حياتهم."

تقدم خطوة أخرى، صوته أصبح أكثر حدة: 

"وهل أنتم حقًا من تصنعون تلك القوانين؟"

"أم أنكم مجرد خاضعين لمصالح اقتصادية، ضغوط اجتماعية، وأهواء نخبة خفية تدير المسرح من خلف الستار؟"

"من الذي يقرر ما هو عادل وما هو ظالم؟ أليس ذلك متغيرًا حسب الزمان والمكان؟"

أجبته بغضب: 

"نحن نطوّر قوانيننا مع تطور مجتمعاتنا. هذا جزء من تقدمنا."


ابتسم ببرود: 

"تقدم؟ هل تقصد الحروب العالمية؟ الاستعمار؟ الأنظمة الديكتاتورية التي سحقَت شعوبها؟ ماذا عن الديمقراطيات التي تتغنى بالحرية بينما تسحق معارضيها؟ هل هذا هو تقدم السيادة البشرية؟"

بدأت كلماته تتسلل إلى داخلي كسُمّ بطيء. حاولت الدفاع: 

"على الأقل نحن نملك حرية الاختيار. نختار من يحكمنا."

قال بنبرة ساخرة: 

"حرية؟ حرية تُحددها منظومات إعلامية تبرمج عقولكم، واقتصادات تتحكم في قراراتكم. حتى أصواتكم الانتخابية لا تساوي شيئًا أمام نفوذ المال والقوة."


سكتُّ. لم أجد ردًا قويًا. كان قلبي ينبض بسرعة، ليس خوفًا منه، بل من تلك الأسئلة التي لم أجرؤ على طرحها على نفسي من قبل.

اقترب أكثر، وهمس: 

"إذا كنتم تملكون السيادة، لماذا أنتم عبيد لرغباتكم؟ لعباداتكم لسلطة المال، للشهرة، للسلطة ذاتها؟ أليس السيّد الحقيقي هو من لا يخضع لأي قيد؟"

نظرت إلى الأرض، أتجنب عينيه اللتين تعكسان كل شكوك العالم.


جلس بهدوء على المقعد المقابل لي وقال: 

"الحقيقة البسيطة يا صديقي: الإنسان لا يحكم العالم. إنه فقط يظن ذلك. من يحكم العالم حقًا هو من لا يتغير، من لا يُخدع، من لا يُهزم. وليس البشر كذلك."

سألته بصوت خافت: 

"ومن هو إذن؟"

ابتسم ابتسامة غامضة: 

"فكر جيدًا… ربما ستعرف الجواب بنفسك."

ثم غادر الغرفة، تاركًا خلفه سؤالًا أثقل من جدران زنزانتي: 

"من يحكم العالم حقًا؟"


ترقبوا في المقال القادم: 

"كيف أدى فصل الإسلام عن السياسة إلى صعود أنظمة القمع وتفكك المجتمعات؟"

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام