في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (14) — لماذا الكون بهذا الحجم؟

في ضيافة المجهول

نظر إليَّ الكائن الفضائي بعينين مليئتين بالتحدي، ثم قال: 

"إذا كان الله قد خلق الكون لأجلكم، فلماذا كل هذه الكواكب والنجوم؟ لماذا الكون بهذا الحجم الهائل؟ ألا يدل هذا على العبث؟ لو كنتم حقًا الغاية، لكان يكفيكم نظام شمسي صغير!"

ابتسمتُ، فأنا أعرف هذا السؤال جيدًا. إنه ينبع من خطأ شائع في التفكير، وهو "أنسنة الإله"، أي محاولة قياس أفعاله بمقاييس البشر المحدودة. قلت بهدوء: 

"إنك تفترض أن الله محدود بحدود الإنسان، وكأن لديه موارد يجب أن يقتصد فيها. لكن الله ليس إنسانًا يحتاج إلى تقليل التكاليف أو الاقتصاد في المواد! فالبشر حين يخططون، يحسبون التكلفة مقابل المنفعة، لأن مواردهم محدودة. أما الله، فصفاته المطلقة تعني أنه لا يعمل وفق قيود البشر. كبر حجم الكون لا يشكل مشكلة إلا لمن يفترض أن الله يعمل بعقلية إنسان محدود."


توقف قليلاً، ثم قال: 

"لكنكم لا تستفيدون من هذه المجرات البعيدة، فما الحاجة إليها إذن؟"

أجبته بثقة: 

"عدم معرفتنا بفائدة شيء لا تعني أنه بلا فائدة. هناك قاعدة عقلية تقول: عدم العلم لا يعني العلم بالعدم. منذ قرون، كان البشر يجهلون فوائد الكثير من أعضاء أجسامهم، حتى ظن البعض أن بعض الأعضاء لا فائدة لها، ثم اكتشف العلم لاحقًا أهميتها. فما الذي يمنع أن نكتشف مستقبلاً فوائد لوجود هذا الكون الهائل؟ ثم إنني أسألك، هل تنكر أن هذه النجوم والمجرات لعبت دورًا جوهريًا في وجودنا؟"

نظر إليَّ بريبة، فتابعتُ: 

"أنت تعرف أن العناصر الثقيلة، مثل الحديد والذهب والكربون، لم تنشأ إلا في قلب المستعرات العظمى، تلك الأفران النجمية الضخمة التي تنفجر وتنثر المعادن في أرجاء الكون. حتى الحديد، هذا العنصر الأساسي في حياتنا، لم يكن جزءًا من الأرض أصلاً، بل نزل إليها عبر النيازك، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم: 'وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ'. إذن، لو لم يكن هناك كون واسع مليء بالنجوم العملاقة، لما كانت هناك أرض أصلًا، ولا حياة!"


أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال: 

"لكن، هذا لا يفسر لماذا الكون واسع إلى هذا الحد، ألا يكفي حجم أصغر بقليل؟"

ضحكتُ وقلت: 

"أنت الآن تناقش تفاصيل تصميم الكون وكأنك تتفاوض على حجم غرفة! لكن دعني أقدم لك حقيقة مذهلة: القصور الذاتي الذي نحيا في نعيمه هو نتاج كتلة الكون كله. أي أن استقرار حركتنا وقوانين الفيزياء التي تتيح لنا العيش بشكل مريح تعود إلى أن هذا الكون بهذا الحجم الهائل. لو كان أصغر، ربما انهارت هذه القوانين أو اختل توازنها. باختصار، هذا الكون الضخم ليس عبثًا، بل هو ضرورة!"


صمت طويلا هذه المرة قبل أن يسأل:

"هل لديك أسباب أخرى لنشأة الكون بهذه الضخامة؟"

ابتسمت وقلت: 

"في رأيي أن الكون لم يُوجد فقط لتلبية حاجات الإنسان المادية. لو تأملت القرآن، لرأيت أن الله يلفت انتباهنا إلى ضخامة الكون كوسيلة للتأمل والتدبر، كإشارة إلى عظمته وقدرته، وليس مجرد خلفية لحياتنا الأرضية. قال تعالى: ‘لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ’. فوجود هذا الامتداد العظيم يضعنا في موضع المتأمل الذي يدرك مدى ضعفه وحجمه الحقيقي أمام عظمة الخالق."


توقف قليلًا قبل أن يقول: 

"لكن هل هذا ضروري؟ ألا يمكن لله أن يخلق كونًا أصغر، يكفي فقط للأرض والشمس والقمر؟"

أجبته بابتسماة مشفقة: 

"أنت تفترض أن الضرورة هي العامل الوحيد في الخلق، وكأن الكون يجب أن يكون وظيفيًا بحتًا. لكن لماذا لا ترى الأمر من منظور الجمال والحكمة؟ لنأخذ مثال الفن. هل كان مايكل أنجلو بحاجة إلى تزيين سقف كنيسة سيستينا بكل تلك التفاصيل المذهلة؟ من الناحية الوظيفية، لم يكن ذلك ضروريًا، لكنه فعل ذلك لأن الجمال قيمة بحد ذاتها. ألا ترى أن خلق الله لهذا الكون الواسع قد يكون تعبيرًا عن حكمته وجماله، تمامًا كما تعكس لوحة فنية عظيمة عبقرية رسّامها؟"


تنهد الكائن الفضائي وقال:

"لكن لا يزال في الأمر شيء محير. لو كان الله كما تدعي قد خلق هذا الكون لنا، فلماذا نحن عاجزون عن الوصول إلى معظمه؟"

أجبته ببساطة: 

"وهل يجب أن تصل إلى شيء حتى يكون له معنى؟ هناك أماكن على الأرض نفسها لم تطأها قدم إنسان، فهل يعني ذلك أنها بلا فائدة؟ ثم مَن قال إن وجود الكون كله مرتبط بنا فقط؟ ألا يمكن أن تكون هناك حكم أخرى لا نعلمها؟ لماذا تحصر حكمة الله في مدى إدراكك المحدود؟"


تردد قليلا قبل أن يسألني:

"هل يؤمن البشر بوجود كائنات أخرى في هذا الكون؟"

أجبته مازحا: 

"أنا مازلت أشك في هذا رغم أنك تقف أمامي الآن." ثم أضفت قائلا: "لا يوجد دليل شرعي على عدم وجود كائنات أخرى في هذا الكون فقد قال الله عز وجل "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ".


ساد الصمت. كانت عيناه تشعان بالتفكير، كأنما بدأت الشبهة تتهاوى أمام منطق الأشياء. أردفتُ قائلاً: "كل شيء محسوب بدقة مذهلة. وكلما تعمق العلم، ازداد انبهار العلماء بهذه الدقة. فالكون ليس كبيرًا عبثًا، بل هو آية أخرى من آيات الإبداع، ووسيلة أخرى للتدبر."

أطرق مفكرًا للحظة، ثم قال: 

"لقد أذهلتني بكلامك. لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة من قبل. ربما... ربما يكون الكون هائلًا لأن من خلقه أعظم من أن يخلق شيئًا محدودًا."

ابتسمت وقلت: 

"هذا هو بيت القصيد!"


تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب بصائر، تأليف د. هيثم طلعت، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام