حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (15): كيف أدى فصل الإسلام عن السياسة إلى صعود أنظمة القمع وتفكك المجتمعات؟

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة

لم يكن الصمت في زنزانتي الفضائية مجرد فراغ، بل كان صدىً لحوار لم يغادر ذهني بعد. الكائن الفضائي غادر الغرفة بعد جدالنا السابق، تاركًا خلفه أسئلة تتردد في رأسي كهمسات مستفزة:

"هل يمكنك أن تفصل بين العدالة والحكم؟ بين الأخلاق والسياسة؟ الإسلام لم يفصل بينهما قط. ربما أنت فقط من يحاول ذلك."

تمدّدت على سريري المعدني البارد، أنظر للسقف الذي لا يحمل نجومًا، فقط عتمة مستمرة. لكن الأفكار كانت أكثر سطوعًا من أي ضوء.


دخل الكائن الفضائي مجددًا، خطواته الصامتة تعلن بداية حوار جديد.

قال بنبرة ثابتة: 

"لنواصل. أخبرني، هل تعتقد أن فصل الإسلام عن السياسة جعل العالم مكانًا أفضل؟"

أجبت، محاولًا الحفاظ على ثباتي: 

"نعم، لقد خلق ذلك أنظمة أكثر حرية، حيث يمكن للناس ممارسة معتقداتهم دون تدخل الدولة."

ابتسم بسخرية خفيفة، ثم سأل: 

"وأين هي هذه الحريات المزعومة؟"

"هل تراها في أنظمة تُبدل قوانينها حسب أهواء الحكام؟"

"أو في دول تُقمع فيها الاحتجاجات السلمية باسم الأمن؟"


ترددت قليلًا، ثم قلت: 

"لكن على الأقل، هناك فصل يمنع استخدام الدين كأداة سياسية."

اقترب مني قليلًا، وعيناه تخترقان قناعاتي: 

"وهل تظن أن الأنظمة العلمانية لم تستخدم شيئًا بديلاً عن الدين؟"

"لقد استبدلت قداسة الدين بقداسة القومية، والعرق، والأيديولوجيا. السلطة تحتاج دائمًا إلى شرعية، وعندما تُفصل عن الوحي، تبحث عن شرعيتها في أهواء البشر."


حاولت الدفاع: 

"لكن هذا يجعل الأمور أكثر مرونة. القوانين تتغير لتناسب العصر."

رد بسرعة: 

"وهل العدالة مسألة مرونة؟"

"هل يصبح الظلم عدلًا فقط لأن القوانين تغيرت؟"

"حين يكون القانون نفسه نتاج أهواء البشر، يصبح الظلم مجرد خيار سياسي آخر."


صمتُّ، لكن عقلي كان يصرخ. حاولت البحث عن مخرج: 

"لكن الإسلام دين روحي، يوجه الأخلاق والقيم، وليس من الضروري أن يحكم كل تفاصيل الدولة."

قال: 

"الإسلام ليس مجرد طقوس روحية. إنه نظام حياة. ألا ترى كيف أدى فصله عن السياسة إلى تفكك المجتمعات الإسلامية؟ كيف تحولت الأمة الواحدة إلى حدود مصطنعة، وقبائل سياسية متناحرة؟"


استطرد قائلاً: 

"لنأخذ مثالًا: قبل سقوط الخلافة، كان المسلمون في أي مكان يشعرون بالانتماء لكيان واحد، مهما اختلفت لغاتهم وأعراقهم. بعد ذلك؟ تحولت الأمة إلى دول قومية، كلٌ منها يسعى لمصلحته الخاصة، حتى لو كان ذلك على حساب إخوانه."

لم أستطع الإنكار. كانت تلك حقيقة أعرفها، لكنني لطالما تجاهلتها.


سألني: 

"هل تظن أن صعود الأنظمة القمعية جاء من فراغ؟"

"عندما غاب حكم الشريعة، ملأ الفراغ حكام جعلوا من القانون وسيلةً لقمع شعوبهم. لا أحد يحاسبهم لأنهم هم من يضع القوانين. في الإسلام، لا أحد فوق شريعة الله، حتى الحاكم نفسه."

حاولت المقاومة: 

"لكن حتى في التاريخ الإسلامي، كان هناك حكام ظلمة."


ابتسم ابتسامة هادئة: 

"نعم، لكنهم لم يكونوا فوق القانون." 

"كانوا يخشون من مواجهة العلماء والقضاة."

"الفرق هو أن الظلم كان استثناءً، لا قاعدة. أما اليوم، فقد أصبح القمع جزءًا من نظام الحكم ذاته."


تركتني كلماته في دوامة من الشك. 

عدتُ إلى سريري بعد أن غادر، وحدي مع أفكاري، أبحث عن يقين لم يعد ثابتًا كما كان.


ترقبوا في المقال القادم...

كيف يمكن لنظام سياسي قائم على الشريعة أن يضمن العدالة دون الوقوع في فخ الاستبداد؟

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام