في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (15) — كواكب كثيرة.. عقل أقل

في ضيافة المجهول

جلست في الحديقة أتأمل السماء المليئة بالنجوم، بينما كان الكائن الفضائي جالسًا بجواري، يحملق في الأفق البعيد. التفت إليّ فجأة وقال: 

"يقول بعض أهل الأرض إن إتقان الأرض ليس دليلاً على أي تصميم، فهناك مليارات الكواكب، ومن الطبيعي أن يوجد من بينها كوكب بمواصفات الأرض. إنه مجرد إحصاء بحت."

ابتسمتُ بهدوء وقلت: 

"وما علاقة وجود كواكب كثيرة بنقد دليل الإتقان؟ إذا وجدتَ مئة ألف ورقة شجر مبعثرة على الأرض، ثم وجدتَ ورقة واحدة مطوية بعناية ومكتوبًا عليها رسالة، فهل ستقول: من الطبيعي أن نجد ورقة كهذه لأن هناك الكثير من الأوراق؟"


تراجع قليلًا، لكنه لم يفقد رباطة جأشه. 

"لكن المواد الأولية متاحة في كل مكان. الكواكب مكونة من العناصر ذاتها. فمن الطبيعي أن يظهر كوكب مناسب للحياة."

رفعت حاجبي ساخرًا: 

"القضية ليست قضية مواد أولية! تخيل أنك ضائع في غابة مليئة بكل أنواع الخضر والثمار والحيوانات، فهل سيظهر لك فجأة إناء طعام مطبوخ وشهي على مائدة خشبية أنيقة؟ وجود المكونات لا يعني أبدًا أن النتيجة ستتشكل وحدها دون صانع ماهر."


حاول أن يقاطعني، لكنني تابعت بحزم: 

"خذ مثالًا آخر، لو جمعت كل الرمال في صحاري العالم، هل ستحصل على معالجات رقمية وشرائح إلكترونية فائقة التطور؟ هذا عبث. الوجود المادي لا يصنع المعلومات، والمادة وحدها لا ترتب نفسها في نظام معقد وذكي."

نظر إليَّ صامتًا، فتابعتُ مستغلًا لحظة التردد التي بدت عليه: 

"وجود كواكب أخرى لا يبرر أبدًا حقيقة أننا نحن البشر مشفَّرون جينيًا بشكل مذهل قبل حتى أن نوجد. في كل خلية من خلايانا هناك ثلاثون ألف جين تضبط وظائفنا وأعضائنا وهرموناتنا بدقة لا يمكن أن تكون نتاج المصادفة العمياء. الحياة ليست مجرد مادة، بل هي معلومات مبرمجة بإتقان."


هز رأسه بتردد وقال معانداً: 

"لكن وجود كوكب واحد قابل للحياة ضمن مليارات الكواكب ليس أمرًا مستبعدًا. الأعداد الكبيرة قد تفسر ظهور المصادفات."

قلت مبتسمًا: 

"هذا افتراض يقوم على سوء فهم. أولًا، كأنك تفترض أن الكون يقوم بتجارب عشوائية حتى ينتج كوكبًا مثل الأرض، لكن الحقيقة هي أن الكون ليس كيانًا واعيًا يجري تجارب. ثانيًا، الاحتمالات لا تخلق نظامًا دقيقًا ومعقدًا. لنقل إن لديك آلة طباعة تكتب رموزًا عشوائية على الورق، هل تتوقع أن تطبع لك بالصدفة قصيدة شعرية متكاملة ذات معنى؟ مستحيل حتى لو طبعت لمليارات السنين. فما بالك بشيفرة الحياة التي هي أعقد بما لا يقاس؟"


صمت الكائن الفضائي قليلاً، ثم قال: 

"لكن لماذا كل هذا الإتقان؟ لماذا لم يُخلق الكون بطريقة أبسط؟"

قلت مبتسما: 

"لأن الله خلق هذا الكون بإتقان بديع. ألا ترى قوله: 'صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ'؟ هذا الإتقان ظاهر في كل شيء، من قوانين الفيزياء المتناسقة إلى التصميم الدقيق للكائنات الحية. إنه وسيلة للتدبر والتفكر تدعوك إلى الإيمان بالخالق عز وجل."


أغمض عينيه للحظات ثم قال بصوت هادئ: 

"لكن هذا لا يعني بالضرورة وجود خالق."

ابتسمتُ قائلاً: 

"بل يعني ذلك تمامًا. النظم البيولوجية ليست مجرد تفاعلات كيميائية عشوائية، بل هي أنظمة معلوماتية معقدة. كل خلية في جسدك تعمل وكأنها مدينة ذكية، مليئة بالمصانع والطرق وأنظمة الاتصال. إذا كنت ترى كل هذا الإعجاز، ثم تبرره بأن هناك كواكب كثيرة، فهذه سخافة أو محاولة لاستغباء البشر."


نظر إليَّ طويلًا، وكأنه يعيد ترتيب أفكاره. لم يعترف، لكنه أيضًا لم ينكر. كانت هناك شرارة من الشك في أعماقه... وربما كانت هذه بداية التحول.


تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب بصائر، تأليف د. هيثم طلعت، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام