حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (16): كيف يمكن لنظام سياسي قائم على الشريعة أن يضمن العدالة دون الوقوع في فخ الاستبداد؟
كان الظلام يخيم على زنزانتي الفضائية، يقطعه وميض خافت من السقف المعدني. جلست مستندًا إلى الحائط البارد، عينيّ شاخصتان نحو الفراغ. لم يمض وقت طويل حتى فُتح الباب، ودخل الكائن الفضائي، بملامحه الهادئة التي تخفي خلفها عاصفة من الأفكار.
جلس أمامي، مستندًا إلى طاولة صغيرة، ثم قال بصوت خالٍ من الانفعال:
"هل ما زلت تعتقد أن الشريعة الإسلامية تؤدي حتمًا إلى الاستبداد؟"
ترددت قليلًا، ثم أجبت:
"أخشى أن تطبيق الشريعة قد يتحول إلى وسيلة للسيطرة. الحاكم قد يزعم أنه يحكم باسم الله، لكنه في الحقيقة يمارس سلطته وفق أهوائه."
ابتسم ابتسامة خفيفة، كأنما توقع هذا الرد. قال:
"وماذا عن الأنظمة العلمانية؟ ألا يقع معظمها في فخ الاستبداد رغم فصل الدين عن السياسة؟"
فكرت قليلًا ثم قلت:
"لكن العلمانية تضع حدودًا واضحة للسلطة، هناك دستور، قوانين، رقابة."
اقترب قليلًا، عينيه تلمعان بتحدٍ:
"وهل الدساتير منعت الطغاة من الصعود؟ هل منعت الحروب، القمع، الفساد؟ ألا ترى أن الإنسان، عندما يكون هو مصدر التشريع، يُشرّع لما يناسب مصالحه؟"
لم أستطع الرد فورًا. فتابع:
"في النظام السياسي الإسلامي الحقيقي، السيادة ليست للحاكم ولا للشعب، بل لله. وهذا لا يعني منح الحاكم سلطة مطلقة، بل العكس تمامًا. الشريعة تقيد سلطته. فهو لا يستطيع أن يُشرّع ما يخالف نصوص القرآن والسنة."
قلت ببطء:
"لكن من يفسر هذه النصوص؟ أليس البشر؟ ألن يقعوا في نفس فخ التأويل لمصالحهم؟"
هزّ رأسه إيجابًا:
"سؤال وجيه. لكن هنا تكمن العبقرية. السلطة في النظام الإسلامي موزعة:
الحاكم يُنفذ،
العلماء يُفسرون،
والقضاء يُحاسب.
لا أحد يملك السلطة المطلقة. وحتى العلماء، لا يُمنحون عصمة.
هناك إجماع، اجتهاد جماعي، رقابة من الأمة."
سكت قليلًا ثم أضاف:
"تخيل حاكمًا يريد ظلم شعبه. هل يستطيع تجاوز نص صريح يُلزم بالعدل؟ هل يستطيع تجاهل قضاء مستقل يحاسبه؟ أو علماء يرفضون فتواه؟"
نظرت إليه بتوجس:
"لكن ماذا عن الفترات التي سقط فيها المسلمون في الاستبداد؟"
أجاب بسرعة:
"لأنهم ابتعدوا عن الشريعة، لا لأنهم طبقوها. حين يصبح الحاكم فوق الشريعة، ينقلب الأمر إلى طغيان."
شعرت بتيار من الشك يجتاحني. كل فكرة يقدمها تهز قناعاتي القديمة. لكنني لم أستطع الاعتراف بذلك.
قلت:
"ربما... لكنني ما زلت غير مقتنع تمامًا."
ابتسم ابتسامة هادئة:
"هذا طبيعي. الشك بداية الطريق نحو الحقيقة."
ترقبوا في المقال القادم:
كيف نشأت فكرة فصل الدين عن الدولة في أوروبا؟ وما علاقتها بسلطان الكنيسة؟
Comments
Post a Comment