حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (18): هل يمكن للديمقراطية أن تكون بديلاً حقيقياً لنظام الحكم الإسلامي؟

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة

صمتُ الزنزانةِ الفضائية كان يثقل على صدري حين دخل الكائن الغريب، خطواته تلامس الأرض المعدنية بإيقاع ثابت، عينيه تخترقانني كأنهما تبحثان عن شقوق في جدران عقلي.

قال بصوته العميق: 

"هل تعتقد أن الديمقراطية يمكن أن تكون بديلاً حقيقياً لنظام الحكم الإسلامي؟"

ابتسمت بسخرية: 

"أليست الديمقراطية هي قمة التطور البشري في الحكم؟ إنها تمنح الناس حق اختيار قادتهم وصنع قوانينهم."

اقترب، وانعكست أضواء خافتة على جلده الرمادي اللامع: 

"حقاً؟ وهل هذا ما يحدث فعلاً؟"

شعرت بوخز الشك، لكنه أكمل: 

"دعنا نبدأ من حيث يتفق الجميع."

"الديمقراطية تُبنى على فكرة سيادة الشعب، لكن هل حقاً يحكم الشعب؟"

"انظر إلى الولايات المتحدة، أكبر ديمقراطية في العالم. هل قرارات الحرب والسلام، أو السياسات الاقتصادية، تُتخذ بناءً على إرادة الشعب أم مصالح النخب السياسية والشركات العملاقة؟"

صمتُّ. لم يكن لديّ ردٌ جاهز.

تابع: 

"نعلم جميعاً عن كتاب نعوم تشومسكي 'Manufacturing Consent'، حيث يكشف كيف تتحكم وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام، مما يجعل إرادة الشعب نفسها نتاجاً للتلاعب. أهذا هو الحكم الشعبي؟"

حاولت الدفاع: 

"لكن النظام يتيح حرية التعبير وحق المعارضة."

هزّ رأسه قائلاً: 

"حرية معارضة شكلية. خذ مثالاً على ذلك احتجاجات 'Occupy Wall Street' في 2011. صرخ الملايين ضد هيمنة رأس المال على السياسة، فماذا كانت النتيجة؟ قمعٌ شرس، وتغييرٌ معدوم."

تذكرت صور المتظاهرين المضروبين في الشوارع.

أكمل بهدوء: 

"الديمقراطية الحديثة تخدم القوى الاقتصادية الكبرى، وليس الشعوب."

"بينما في الإسلام، السيادة لله ﷻ، والقوانين مستقاة من شريعة لا تتغير بتغير الحكام أو المصالح."

"هل يمكن مقارنة نظام يتلاعب به الإعلام والمال بنظام يرتكز على العدالة الإلهية؟"

شعرت أن دفاعي يتداعى، لكنني حاولت: 

"ألا يوجد استبداد في بعض الأنظمة التي تدّعي تطبيق الشريعة؟"

قال: 

"العيب ليس في الشريعة بل في من يزعمون تمثيلها. مثلما لا نحكم على الديمقراطية من خلال ديكتاتور يرتدي قناعها."

صمتُّ طويلاً. لم تكن لديّ إجابة مقنعة.

وقبل أن يغادر الزنزانة، قال: 

"ربما المشكلة ليست في الديمقراطية أو الشريعة، بل في فهمك أنت لما تعنيه السيادة الحقيقية."

ترقبوا في المقال القادم: 

تجارب الخلافة الإسلامية العادلة.

Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

Image
لطالما تخيل البشر أنهم وحدهم في هذا الكون الفسيح، لكن ماذا لو أخبرتك أن هناك مخلوقات ذكية راقبتنا من بعيد، ثم قررت أن تحط على كوكبنا لدراستنا؟ هذه ليست قصة خيال علمي، بل هي أقرب إلى الواقع مما تتصور. إنها سلسلة مقالات ستأخذك في رحلة غير تقليدية، حيث نتتبع خطوات كائن فضائي جاء إلى الأرض ليفهم كيف يفكر البشر، وكيف يعيشون، وكيف... يحكمون أنفسهم . ومن حسن أو سوء حظه، وجد نفسه في واحدة من " الدول الإسلامية " الحديثة. سيكون هذا الفضائي بمثابة المرآة التي تعكس التناقضات التي نعيشها دون أن نشعر. سيسأل الأسئلة التي ربما تجنبنا طرحها على أنفسنا، وسيجعلنا نعيد النظر في المسلَّمات التي نرددها يوميًا. في كل مرة، سأعرض عليك مشهداً حوارياً غريباً، لكن مألوفًا في الوقت ذاته، بين الفضائي القادم من المجهول وبيني أنا... كاتب هذه المذكرات، المحكوم عليه بالسجن في كوكب الفضائيين بعد سلسلة من النقاشات التي قلبت موازين تفكيري. والآن، إليك بداية القصة... هبطت المركبة الفضائية في هدوء لم يشعر به أحد. راقب الفضائي المشهد من الأعلى، ثم قرر أن يتنكر في هيئة بشرية ليتمكن من التجول بي...
Read more

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

Image
  في ليلة غارقة في الصمت، وسط عالمٍ لا تزال ناطحات السحاب تلمع فيه تحت وهج المصابيح، كنتُ مستلقيًا على سريري، أُحدّق في سقف الغرفة وأفكر: ماذا لو استطعنا رؤية المستقبل؟ لا عبر التنبؤات والتخمينات، بل بأن نعيش فيه حقًا، نسمع من أبنائه، ونشاهد نتائج أفعالنا ونحن نخطو في عالمهم؟ ثم وجدتُ نفسي هناك... لا أعلم كيف حدث ذلك، ولا كم مرَّ من الوقت. لكن حين فتحتُ عيني، كان المشهد أمامي مختلفًا تمامًا. عالمٌ مدمر، سماءٌ ملبدة بالغيوم الرمادية، وأرضٌ جرداء كأنها لم تعرف الحياة قط. كان الهواء ثقيلاً ... ثقيلاً لدرجة أنك تشعر به يخترق رئتيك كالإبر . لم يكن هذا ضباباً، ولا غباراً عادياً… كان خليطاً سامّاً من الرماد والغازات التي لم يعد أحد يعرف أسماءها، فقط يعرفون أنها قاتلة . الأرض؟ مجرد أطلال . لا غابات، لا بحار زرقاء، لا سماء صافية… كل شيء مغطى بلون رمادي كئيب. كانت المباني، أو ما تبقى منها، كالجثث الهامدة، تشهد على حضارة أحرقت نفسها ببطء. هنا كان نهر، وهناك كانت غابة، لكنهما الآن مجرد ظلال في ذاكرة الكوكب . مرحبًا بك في المستقبل … حيث انتهت الحضارة البشرية ليس بحرب نووية، و...
Read more

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام

Image
  تسببت تلك الصرخة الهائلة التي أطلقها الكائن الفضائي في فقداني للوعي وحين فتحت عينيّ، شعرت بثقل في رأسي وكأنني كنت نائمًا لقرون. تململت قليلًا، وحين حاولت النهوض، وجدت نفسي مقيّدًا داخل زنزانة معدنية باردة. كانت جدرانها تُصدر وهجًا خافتًا بلون أزرق غريب، وبابها بلا مفصلات أو مقبض، وكأنه قطعة واحدة لا تُفتح ولا تُغلق. تحسّست معصميّ لأجد أصفادًا شفّافة، كأنها مصنوعة من الضوء نفسه. لا ألم، لا إحساس بالضغط، ولكن لا مجال للتحرّك . " أين أنا؟ وكيف وصلت إلى هنا؟" سألت وأنا أحاول استيعاب الموقف. كانت الزنزانة الباردة تُصدر صدىً غريبًا مع كل كلمة أقولها. الجدران الزرقاء الشفافة كانت تتلألأ كأنها تحكم عليّ بصمت. شعرت كأنني في قاعة محكمة كونية، وأنا المتهم الوحيد . نظرت حولي فلم يكن هناك سوى مقعد عائم في الهواء، وعليه جلس كائن فضائي يختلف عن ذاك الذي قابلته أول مرة. كانت ملامحه أكثر حدة، وعيناه تشعّان بلون أخضر نافذ. رفع إحدى حاجبيه، وهو يحدّق بي كما لو كنت تجربة مختبرية مثيرة للاهتمام . كان الكائن الجديد يبدو أكثر جدية من سابقه. عيناه الخضراء تشعان بذكاء حاد، وكأنه يقرأ أفكار...
Read more