حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (19): تجارب الخلافة الإسلامية العادلة

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة

 تأملت في سقف الزنزانة الفضائية بينما كان الكائن الفضائي يتنقل أمامي بهدوء مريب، كعادته حين يستعد لطرح سؤال سيقلب موازين أفكاري

قال بنبرة ثابتة: 

"تتحدث كثيرًا عن فشل النظم الإسلامية في تطبيق العدالة. لكن، هل تعرف حقًا كيف كانت تجارب الخلافة الإسلامية العادلة؟ أم أنك تردد فقط صدى أصوات الحضارة التي تربيت فيها؟"

ابتسمت بسخرية: 

"الخلافة؟ تلك التي امتلأت بالانقلابات والصراعات على السلطة؟ أين هي العدالة التي تتحدث عنها؟"


اقترب مني، عينيه تتوهجان بنور باهت: 

"لنبدأ من الأندلس. هل تعلم أن المسلمين حكموا هناك لأكثر من 700 عام، وكانت مدن مثل قرطبة وغرناطة مراكز للعلم والفلسفة، حيث عاش المسلمون والمسيحيون واليهود جنبًا إلى جنب في سلام؟"

"أين كانت أوروبا حينها؟ غارقة في ظلام الجهل والتعصب."

ترددت للحظة، لكني تابعت: 

"حسنًا، ربما كان هناك بعض التسامح، ولكن هذا لا ينفي أن الحكم كان استبداديًا."


أجاب بسرعة: 

"هل تسمي توفير الحقوق لأهل الذمة، والسماح لهم بممارسة دياناتهم بحرية، استبدادًا؟"

"ألا تعلم أنه كان لهم قضاة يحكمون بينهم وفق شرائعهم الخاصة."

"هل سمعت عن صقلية تحت الحكم الإسلامي؟ لمدة 200 عام، كانت منارة للتعايش الثقافي والعلمي."


شعرت بالانزعاج: 

"وماذا عن الحروب؟ ماذا عن العنف الذي صاحب الفتوحات الإسلامية؟"

اقترب أكثر وقال بهدوء: 

"لنقارن. كيف تعامل المسلمون مع الأسرى؟"

"هل سمعت عن عمر بن الخطاب الذي رفض قتل الأسرى وأمر بمعاملتهم بكرامة؟"

"في الحروب الصليبية، حين دخل الصليبيون القدس، قتلوا عشرات الآلاف من المسلمين واليهود."

"أما صلاح الدين الأيوبي، فقد دخل القدس وأمن أهلها من دون حمام دم."

"أي حضارة أعظم؟"


لم أستطع الرد فورًا. فتابع: 

"لنذهب أبعد. انظر إلى أمريكا في أفغانستان والعراق، كيف دُمرت مدن كاملة وقُتل الأبرياء باسم الحرية؟"

"ماذا عن إسرائيل؟ منذ أكثر من سبعين عامًا، والفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال، يُقتلون وتُسرق أراضيهم."

"أين هي العدالة الغربية التي تؤمن بها؟"


حاولت الدفاع: 

"لكن تلك أخطاء سياسية، لا تمثل القيم الحقيقية للديمقراطية."

ضحك بسخرية خفيفة: 

"دائمًا ما تُبرر الحضارة الحديثة جرائمها بالأخطاء السياسية. لكن عندما يتعلق الأمر بالإسلام، يصبح الخطأ جزءًا من الدين ذاته؟"


توقف لوهلة قبل أن يختم: 

"الحضارة الإسلامية سادت لأنها ملأت العالم عدلًا بعد أن مُلئ جورًا."

"عدالة لم تكن مجرد شعارات، بل نظام حياة قائم على الشريعة التي تحفظ حقوق الجميع."

"هل تعتقد حقًا أن أي نظام آخر يستطيع أن يحقق هذا التوازن؟"

لم أجد إجابة. ظل الصمت يملأ الزنزانة، وصدى كلماته يتردد في أعماقي.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام