حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (20): العولمة والعلمانية... من يحكم القيم؟
"أتعلم؟"
بدأت حديثي وأنا أتأمل الجدران المعدنية الباردة لزنزانتي.
"العولمة فتحت العالم على بعضه البعض. اليوم، يمكن لأي شخص أن يتواصل مع أي مكان في ثوانٍ. أليست هذه قفزة حضارية مذهلة؟"
ابتسم الكائن الفضائي ابتسامة خفيفة قبل أن يرد:
"قفزة حضارية؟ أم قفزة نحو استعباد حضاري؟"
تجمدت كلماتي في حنجرتي.
"ماذا تقصد؟"
قال وهو يقترب من قضبان الزنزانة:
"تحت ستار العولمة، هل يُسمح للقيم الإسلامية أن تزدهر بحرية كما تزدهر قيم الغرب؟"
"أم أن هناك نظامًا يفرض رؤية واحدة على الجميع، حتى لو تعارضت مع ثقافاتهم ودينهم؟"
حاولت الرد:
"لكن القيم مثل الحرية والمساواة حقوق عالمية."
قهقه بخفة، ثم قال:
"حقًا؟"
"دعني أسألك: هل يُسمح للمسلمين في أوروبا بنشر رؤيتهم للشريعة بحرية؟"
"هل تُعامل الحجاب واللحية على أنهما مجرد تعبير عن هوية شخصية؟ أم يُنظر إليهما كتهديد؟"
أجبت بتردد:
"هناك بعض التحديات... لكن الهدف هو حماية القيم المشتركة."
قاطعنـي:
"قيم من؟"
"هل هي قيم مشتركة فعلًا أم قيم فرضها طرف واحد على الجميع؟"
"انظر إلى موضوع الشذوذ. في أقل من عقدين، تحولت من قضية خلافية إلى معيار يُقاس به مدى 'تقدم' الدول. ليس لك خيار في رفضه دون أن تُوصم بالرجعية والكراهية."
"أين الحرية هنا؟"
شعرت بشيء من الحرج، فقلت:
"لكن هذا جزء من تطور المجتمعات."
هز رأسه وقال:
"تطور؟"
"أم هندسة اجتماعية؟"
"العولمة ليست سوى قناع يُخفي استعمارًا جديدًا. بدلاً من احتلال الأرض، يُحتل العقل. يتم تصدير ثقافات، وطمس أخرى."
صمتُّ للحظات، ثم حاولت الدفاع:
"لكن العلمانية تضمن الحياد، فهي لا تنحاز لأي دين."
اقترب أكثر وقال:
"حياد؟"
"إنها تنحاز ضد الدين بشكل خفي."
"العلمانية الغربية ليست محايدة."
"إنها تدفع بالدين إلى هامش الحياة، وتحصره في العبادات فقط."
"تُجبر الناس على فصل قيمهم الدينية عن سياساتهم وقوانينهم."
"هل هذا حياد أم إقصاء؟"
شعرت بتقلص في صدري.
"لكن العلمانية تحمي من الاستبداد الديني."
ابتسم ابتسامة خفيفة:
"ومن يحميك من استبداد الدولة؟"
"انظر إلى الأنظمة التي تدّعي العلمانية: هل هي خالية من الظلم؟ هل الديمقراطية منعت الحروب؟"
"أمريكا، التي تُصدّر ديمقراطيتها، دمرت دولًا كاملة باسم الحرية. العراق، أفغانستان، فلسطين... كم من الأرواح سُفكت؟ أين كانت القيم الإنسانية؟"
أطرقْتُ رأسي، غير قادر على الرد.
قال بصوت منخفض لكنه حاد:
"القيم التي لا تحكمها شريعة ربانية تصبح أدوات في يد الأقوى."
"تتغير وفقًا للمصالح."
"اليوم يُحتفى بحق، وغدًا يُدفن. فقط عندما يحكم الدين – الدين الحق – يمكن أن تكون هناك عدالة حقيقية، لأن مصدر القيم ثابت لا يتغير."
رفعت رأسي ونظرت إليه، صامتًا. لأول مرة شعرت أنني في مواجهة ليس فقط مع كائن فضائي، بل مع نفسي أيضًا.
ترقبوا في المقال القادم:
لماذا لم يساوم الإسلام على الحكم؟
Comments
Post a Comment