في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (2) — اختبار الإيمان في عيون العقل
جلست أرتشف الشاي الساخن مع صديقي الفضائي في ركن هادئ من منزله، بينما كانت أصوات أفراد أسرته تتردد في الخلفية كأنها لحن حياة بسيط ولكنه عميق. كان يعيش مع زوجته وابنته المراهقة وابنه الصغير، ومعهما أبواه الطاعنان في السن. في الجهة المقابلة من الشارع، كان والد زوجته ووالدتها يعيشان في منزل آخر، قريب بما يكفي ليبدو كامتداد طبيعي لعائلتهم.
تأملت هذا المشهد، ثم سألت، محاولاً إخفاء فضولي:
"ألا تستطيع تحمل تكاليف منزل آخر لتعيش فيه مع أسرتك الصغيرة فقط؟"
نظر إلي باستغراب وكأنه يحاول فهم سؤالي، ثم ابتسم ابتسامة هادئة وهو يوجه نظرة حانية إلى والديه:
"ماذا تقصد؟ ألا ترى أسرتي تعيش معي هنا؟"
ترددت للحظة قبل أن أجيب:
"بلى، لكنني قصدت أنت وزوجتك وأبنائك فقط."
ارتسمت على وجهه تعابير دهشة خفيفة، ممزوجة بلوم غير معلن:
"ومن يهتم بأبويّ في هذا السن إن لم أفعل أنا؟ لقد عاشا حياتهما من أجلي. حان الوقت لأرد لهما بعضًا مما منحاني من حياتهما ورعايتهما واهتمامهما. ألا توافقني الرأي؟؟"
أجبته بابتسامة تأملية:
"بالطبع. هذا ما يأمرنا به ديننا. لكن للأسف، الثقافات الغربية قد غزت بلاد المسلمين، وصار من المعتاد رؤية دور العجزة وكبار السن تملأ المدن."
تساءلت، مدفوعًا بالفضول:
"أهذا جزء من تعاليم دينكم؟"
ابتسم ابتسامة هادئة، ثم قال:
"أنت لا تحتاج لدين لتعرف الصواب من الخطأ في هذه المسألة."
أجبته مبتسمًا بمزيج من الموافقة والتساؤل:
"ربما، لكنّ هناك كثيرًا من الناس اليوم لن يوافقوك على هذا. وإذا كانت هذه المسألة واضحة في نظرك، فماذا عن القضايا التي يختلط فيها الحق بالباطل؟"
ساد الصمت للحظة، ثم اعتدل في جلسته وقال بجدية:
"هنا يكمن جوهر السؤال. هل نحتاج لدين لنفهم الخير والشر، أم أن عقولنا تكفينا؟"
ثم أضاف:
"لهذا نحتاج للعقل. العقل قادر على التمييز بين الصواب والخطأ، حتى في أعقد المسائل."
تأملت كلماته، وأنا أدرك أننا على أعتاب نقاش سيقودنا إلى أعماق لا نهائية.
ثم وجدتني أبتسم بسخرية وأقول لنفسي:
"لكن العقل وحده قد يقودنا إلى نتائج مختلفة بناءً على خلفيتنا وتجاربنا. ألا نرى أن البشر يختلفون في تفسير نفس الظاهرة؟ العقل يحتاج لمرجع ثابت ليهتدي به."
ثم بصوت عال سألته:
"إذا كان الإنسان هو المقياس لكل شيء، فماذا لو اختلفت عقول الناس؟ من يحدد الصواب والخطأ حينها؟ ألا ترى أن هذا يقود إلى فوضى أخلاقية؟"
ابتسم وقال:
"ربما. لكن ماذا لو كان وجود معيار ثابت هو مجرد وهم؟ ماذا لو لم يكن هناك أي معنى جوهري للحياة نفسها؟ هل تحتاج القيم لمعنى أعمق لتكون حقيقية؟ أم يكفي أننا نشعر بها؟"
توقفت عند هذه الفكرة. فلو لم يكن للحياة معنى أعمق، لكانت القيم مجرد أوهام طارئة.
في ظل الإلحاد، لا وجود لمعيار مطلق. كل شيء قابل للنقاش، وكل شيء يمكن تبريره.
شعرت أن هذه الحجج سفسطائية أكثر من كونها فلسفية تهدف إلى الوصول للحقيقة لكني قررت المضي قدما في الحوار معه.
قلت له:
"لكن إذا لم يكن للحياة معنى، فلماذا نهتم أصلاً؟ لماذا نكترث بالحب، بالعدالة، أو حتى بالأسرة التي تجلس معهم الآن؟ ما الذي يجعلهم مُهمين إذا كان كل شيء سينتهي يومًا ما بلا أثر؟"
أجابني بنبرة أهدأ، وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مني:
"ربما لأننا لا نحتمل فكرة العدم. نخلق المعنى كي نهرب من الفراغ."
ابتسمتُ بهدوء وأنا أتأمل كلماته. ثم قلت:
'ربما لأن الفراغ ليس هو الحقيقة… بل هو غيابها. نحن لا نخلق المعنى، نحن نبحث عنه لأننا مخلوقون به. كما لا يخلق العطشان فكرة الماء، بل يسعى إليه لأن وجوده سابق لحاجته. كذلك قلوبنا تعرف أن للكون خالقاً، لا لأننا نخشى العدم، بل لأن النور يكشف الظلام، ولا يحتاج الظلام ليبرر وجوده.'
وهكذا بدأ نقاشنا الطويل، حيث تسللنا من دفء الشاي وأحاديث العائلة إلى برودة الأسئلة التي لا تنتهي، في رحلة فلسفية جعلتنا نعيد النظر في كل شيء كنّا نظنه واضحًا.
ترقبوا في المقال القادم:
هل الإيمان فطرة أم خدعة نفسية؟
Comments
Post a Comment