في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (3) — هل الإيمان فطرة أم خدعة نفسية؟
كان الصمت يخيّم علينا بعد أن ألقيتُ كلماتي الأخيرة. تلاشت أصوات المجرات خلف نافذة الغرفة المستديرة التي كنا بداخلها، وكأن الكون ذاته ينصت معنا.
تأملني بعينيه اللامعتيْن، ثم قال بصوت بارد كأنه يشقّ الفراغ:
"ولكن… ماذا لو كان هذا العطش الذي تتحدث عنه مجرد وهم؟ ماذا لو أن الإنسان خلق فكرة الإله ليملأ فراغ خوفه من المجهول؟ ربما نحن لسنا سوى نتيجة تطورٍ عشوائي، والبحث عن المعنى مجرد خدعة نفسية لحماية عقولنا من الجنون."
ابتسمتُ دون أن أنظر إليه، وقلت بهدوء:
"وهل تعتقد أن الوهم يصمد أمام اختبار الزمن؟ أن آلاف السنين من الحضارات والفكر والفلسفة كلها مجرد ارتباك جماعي؟"
أجابني بثقة:
"ألم يؤمن البشر بأساطير كثيرة قبل أن يكتشفوا أنها مجرد خرافات؟ ربما الإيمان بالله ليس إلا أسطورة أخرى، لكنها أكثر تعقيدًا."
ارتشفتُ رشفة من كوب الشاي الذي برد قليلًا، ثم وضعت الكوب جانبًا.
"لكن الفرق بين الأسطورة والحقيقة ليس في عدد من يؤمن بها، بل في صمودها أمام العقل والمنطق. الإيمان ليس فكرة عابرة، إنه نداء داخلي. نحن لا نختلق هذا النداء، بل نحاول تفسيره. الأطفال الصغار في كل مكان، دون تعليم أو تأثير، يتساءلون عن خالقهم. من علمهم ذلك؟ الخوف لا يخلق الفطرة، لأن الفطرة تسبق الخوف."
توقف لحظةً، ثم قال:
"أنت تتحدث عن الفطرة وكأنها دليل مطلق. لكن الفطرة أيضًا يمكن أن تكون مجرد نتيجة لتطور بيولوجي، مثل غريزة البقاء."
نظرت إليه بعمق:
"هل تعرف الفرق بين الغريزة والفطرة؟ الغريزة تدفعك للبقاء، لكن الفطرة تدفعك للتساؤل: لماذا أبقى؟ الغريزة تسيّرك، أما الفطرة فتفتح أمامك طريق الاختيار. ولهذا السبب، يمكن للإنسان أن يختار الإيمان أو إنكاره. لأنه لو كان وهماً، لما كان هناك خيار."
ظلّ صامتًا للحظات، ثم قال:
"لكن لماذا يحتاج الإنسان لإله؟ أليس هذا دليلًا على ضعفنا؟"
أجبته بابتسامة هادئة:
"بل هو دليل على قوتنا. الضعف هو أن تنكر الحقيقة لأنك لا تستطيع رؤيتها. أما القوة، فهي أن تعترف بها حتى لو لم تستطع لمسها. نحن لا نؤمن لأننا ضعفاء، بل لأن الحقيقة أقوى منّا."
ترقبوا في المقال القادم
هل الإلحاد هو الأصل؟ ومتى بدأ الإلحاد؟
Comments
Post a Comment