في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (4) — هل الإلحاد هو الأصل؟

في ضيافة المجهول

أرجع الكائن رأسه للوراء، وعيناه تتفحصان السقف كأنهما تبحثان عن فكرة ضائعة. ثم أعاد كلماتي بهدوء غريب:

"الإيمان دليل على قوتنا. الضعف هو أن تنكر الحقيقة لأنك لا تستطيع رؤيتها. أما القوة، فهي أن تعترف بها حتى لو لم تستطع لمسها. نحن لا نؤمن لأننا ضعفاء، بل لأن الحقيقة أقوى منّا."

ثم مال نحوي قليلًا، وعيناه تضيقان في فضول ساخر:

"ما هو الإلحاد؟"


تجمدت لوهلة. سؤال بسيط… ظاهريًا. لكن خلفه عوالم من التعقيد. أخذت نفسًا عميقًا وأجبته:

"الإلحاد، في لغتنا، يعني الميل والانحراف. اللحد هو الشق في الأرض الذي يُوارى فيه جسد الميت. لاحظ كيف أن الحفرة ليست مستقيمة، بل تنحرف بزاوية… وهذا هو المعنى: انحراف عن المسار."

رفع حاجبًا وكأنه غير مقتنع تمامًا:

"تُسقِط دلالة الموت على فكرة فلسفية؟ هل تعني أن الإلحاد موتٌ فكري؟"


ابتسمت. لقد بدأ الجدل.

"ليس موتًا، بل ميلًا. ليس كل انحراف يؤدي للموت. أحيانًا ينحرف المسار ليقودك لاكتشاف جديد، وأحيانًا لتضيع في الصحراء. لكن… الإلحاد تحديدًا؟ هو انحراف عن الفطرة، عن الحقيقة التي يعرفها القلب قبل العقل."

ضحك بخفة، ثم قال:

"كلام جميل. لكنك تصف الإلحاد وكأنه كيان واحد، صلب ومحدد. أليس الإلحاد ببساطة… عدم الإيمان بوجود إله؟"


أومأت برأسي، لكني سارعت بالرد:

"هذا ما يبدو على السطح. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. الإلحاد ليس قالبًا واحدًا. هناك الملحد الصِرف، والرُّبوبي الذي يؤمن بخالق لكنه يرفض الأديان. وهناك اللاأدري، الذي يقف على حافة الشك دون أن يقفز لأي جهة. وهناك اللااكتراثي، الذي لا يهتم أصلًا بالسؤال."


تأملني قليلًا، ثم مال نحوي وقال بنبرة ساخرة:

"أشكرك على هذه المحاضرة. لكن أخبرني: إذا كان الإيمان هو الأصل، والإلحاد مجرد انحراف كما تزعم، فمتى بدأ هذا 'الانحراف'؟"

ابتسمت، مستمتعًا بتغير نبرته:

"ستندهش. لا توجد بداية معروفة للإلحاد بالمعنى الذي تفهمه اليوم. لم يظهر إنكار الخالق كمذهب فكري واضح قبل القرن الثامن عشر الميلادي. حتى أعظم فلاسفة العصور القديمة تحدثوا عن آلهة أو قوى عليا."


ارتفع حاجبه مرة أخرى، كمن لا يُصدق ما يسمع.

"حقًا؟ أتريد القول إن الإلحاد فكرة حديثة؟"

"نعم. ويل ديورانت، مؤرخ شهير، كتب: 'لا يزال الاعتقاد القديم بأن الدين ظاهرة تعمُّ البشر جميعًا اعتقادًا سليمًا.' الإلحاد، كما هو اليوم، لم يكن سوى زعنفة صغيرة فوق محيط هائل من الإيمان."


سكت قليلًا. ثم قال بصوت منخفض:

"ربما لأن الإنسان كان بحاجة لوهم يريح قلبه."

نظرت إليه بهدوء، ثم قلت:

"أو ربما لأن الحقيقة لم تكن يومًا وهمًا… بل كان الوهم هو محاولتك إنكارها."


ترقبوا في المقال القادم:

 كيف بدأ الإلحاد؟


تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب بصائر، تأليف د. هيثم طلعت، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام