رمضان والقرآن (4): محاور سورة البقرة (الجزء الثاني)
عند قراءة سورة البقرة، لا بد من استحضار بنيتها العامة حتى يتسنى لك فهم معانيها وترابط موضوعاتها. تتألف السورة من مقدمة، ومحورين رئيسيين، وخاتمة جامعة.
المقدمة: الهداية ومنهج الاستخلاف
تشمل المقدمة مقصدين مترابطين:
- هداية القرآن وموقف الناس منها: حيث يُصنَّف الناس إلى مؤمنين، وكافرين، ومنافقين، مع بيان صفات كل فئة وموقفها من الوحي الإلهي.
- الأمر باتباع المنهج الإلهي والتذكير بأصوله وغاياته: مع تقديم النموذج الأول للاستخلاف في الأرض ممثلًا في قصة آدم عليه السلام.
أمّا المحوران:
1. بنو إسرائيل ومبررات عزلهم عن القوامة والخلافة.
2. مقومات استحقاق أمة الإسلام للقوامة والخلافة.
والخاتمة:
فيها رد لآخرها على أولها، والشهادة للأمة بالإيمان واللجوء إلى الله.
نأتي للتفصيل في المحاور:
المحور الأول: بني إسرائيل وسقوطهم من مقام القوامة والخلافة
يُسلط هذا المحور الضوء على أسباب عزل بني إسرائيل عن قيادة البشرية، وينقسم إلى مقدمة وأربعة مقاطع:
المقدمة: التذكير والعتاب (الآيات 40-48)
يبدأ الخطاب بتذكير بني إسرائيل بفضل الله عليهم، ونسبهم الكريم، والعهد الذي أخذه عليهم. ثم يأتي العتاب على نسيانهم لأنفسهم وهم يأمرون الناس بالبر، وتحذيرهم من يوم القيامة وما ينتظرهم فيه .
.1 أحوال بني إسرائيل مع موسى عليه السلام (الآيات 49-74)
يستعرض هذا المقطع نِعَم الله عليهم في مصر وبعد خروجهم منها، والتي انقسمت إلى نعم حسّية كإنجائهم من فرعون، ومعنوية كقبول توبتهم. لكنه يبرز أيضًا مخالفتهم للأوامر الإلهية، مثل اعتدائهم في السبت وقصة البقرة التي تدل على تهاونهم في الامتثال لأمر الله، لتنتهي هذه السلسلة من الذنوب بقسوة قلوبهم .
.2 مواقف اليهود المعاصرين للنبي ﷺ (الآيات 75-123)
يوضح هذا المقطع استمرار بني إسرائيل في مسلكهم المعاند، مبينًا أسباب يأس المسلمين من إيمانهم بسبب تاريخهم المليء بالتحريف والجحود. كما يفضح صفاتهم من حسد وافتراء وكتمان للحق، لكنه في الختام يخاطبهم بأسلوب هادئ يدعوهم إلى الإيمان.
.3 دعوة إبراهيم عليه السلام وتبرُّؤها من اليهود والنصارى (الآيات 124-141)
يؤكد هذا المقطع أن إمامة إبراهيم لم تُبنَ على الانتساب المادي، بل على اتباع منهجه القويم. كما يتناول بناء الكعبة ودعاء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، تمهيدًا لما سيأتي من إعلان انتقال القيادة الدينية.
4. انتقال القبلة وإعلان استخلاف أمة الإسلام (الآيات 142-162)
يمثل هذا الجزء نقطة التحول في السورة، حيث يكون تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة إيذانًا بنقل الخلافة الروحية والقيادة الدينية إلى الأمة الإسلامية. وترد الآيات على شبهات اليهود، وتقوي قلوب المؤمنين، مهيئةً لهم طريق المواجهة والاستقلال برسالتهم.
وفي المقال القادم، سنتناول المحور الثاني من السورة: مقومات استحقاق أمة الإسلام للخلافة والقوامة في الأرض، بإذن الله.
تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، تأليف نخبة من العلماء بإشراف أ.د. مصطفى مسلم، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.
Comments
Post a Comment