حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (6): لماذا رفضت قريش الإسلام رغم سماحها بتعدد الأديان؟ (الجزء الأول)
"أنت أيها الأرضي، كفاك نوما وهيا نُكمل حديثنا"
انتبهت من غفوتي
على الكائن الفضائي وهو يحدّق بي بنفاد صبر لم أعتده منه. تُرى لم هذه العجلة؟ هل
لزوجته دخل في مزاجه السيء هذا الصباح كما يحدث في كوكبنا؟ 😁
الزوجة؟ آه، كم ينهشني الشوق إليهم! زوجتي، أطفالي... تُرى، كيف حالهم الآن؟ كيف أطمئن عليهم وأخفف عنهم قلقهم عليّ؟ أمّي الحبيبة، أخي، أصدقائي... تدافعت صورهم أمام عينيّ، لكن قبل أن أغرق في بحر الذكريات، باغتني طيف آخر…
أطفال المسلمين، أولئك الذين تُسلب أرواحهم، ويُشرّدون، ويُيتّمون على مرأى منا، وعلى شاشات العالم ليل نهار. هل غدونا نعتاد مشاهدهم؟ هل...
شعرت بيد تهزني بعنف .
"ما بك؟ يبدو أن الرُقيَّ والتطور في التكنولوجيا عندكم لم يواكبه رُقيٌّ في أخلاقكم وخصوصا مع ضيوفكم. أم أنك مازات تعاملني كسجين لديك؟" قلتها بلهجة ساخرة.
لم يبدُ عليه التأثر بردّي، بل قال ببرود: لست وقحا ولكن ليس لديّ الوقت لأكون مهذبا.
متى وأين سمعت مثل هذه الكلمات؟ أنا على يقين بسماعي إياها من قبل. نعم، تذكرت! لقد سمعتها باللغة الإنجليزية من رجل أمريكي سُئل عن قلة أدبه عندما اصطدم بأحد المارة.
شعرت بالأسى وتذكرت قول الله عزّ وجلَّ "يا حسرة على العباد" فقلت لنفسي:
آه لو عرفوا الإسلام! تخيلوا لو امتزجت حضارتهم المادية تلك بحضارة روحية أخلاقية تُهذّب نفوسهم وترتقي بسلوكهم.
لكن، لحظة… أليس من الأفضل أن يتعلموا من تجربتنا نحن الأرضيين؟ لا يقحموا الدين في أمورهم السياسية، أليس كذلك؟
ولكن هل السبب فعلا فيما نحن فيه هو إقحام الدين في السياسة؟ أم العكس؟
ألا يمكن أن يكون الترف هو السبب؟ صحيح أنه ليس قاعدة مطلقة، لكنه ظاهرة تتكرر عبر العصور.
لماذا لا يبدو كلامي منطقيا حتى لي أنا؟ هل تُراهم وضعوا لي شيئا في الطعام الذي قدموه لي في وجبة العشاء؟
لم يستطع عقلي ترك الأمر بهذه البساطة فظللت أتسائل:
هل للغنى والترف علاقة بسوء الخلق ومحاربة الدين؟ آيات القرآن تُشير إلى رابط قوي بين الأمرين.
قال تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا"
وقال جلّ شأنه: "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ"
وقال سبحانه في موضع آخر: "حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ"
دعني أُدوّن هذه الخاطرة في ورقة حتى أستطيع العودة إلى نقاشنا السابق مع صديقنا الفضائي.
"هيا أيها الأرضي" قالها بصوت عال هذه المرة.
ابتسمت ابتسامة خبيثة. لقد أثرت أعصابه وهذا جيد في المناقشة القادمة، ولكن لا...
لا يجب أن أنظر إلى الأمر بهذه الطريقة.
صحيح أنني أسير لديهم لكنّ وجودي هنا فرصة لمراجعة أفكاري وتصحيح مفاهيمي عن الدين والحياة.
"ماذا تريد أيها الفضائي" قُلتها بصوت هاديء هذه المرة مما ساعده على الاسترخاء.
تراجع قليلا وقال: "أريد أن نكمل حديثنا الذي لم نستكمله البارحة فقد وعدتني أن نكمله في وقت لاحق، أليس كذلك؟"
بلى، وعدتك، ولكنّي لم أقصد أن نستكمله اليوم.
مازلت أرغب في السفر إلى بداية الدولة الإسلامية لمعرفة ما إذا كان الإسلام جزءا من الحكم فيها أم أنّ هذا محض خيال؟
أما بخصوص التأويل وخطره على المسلمين اليوم، فأعدك بمناقشته بعد الرجوع من رحلتنا. اتفقنا؟
لم يبدُ عليه الاقتناع ولكنه أومأ برأسه وقال: ليكن ما تريد. ولكن قبل أن نبدأ في الرحلة لدي سؤال أخير.
تمالكت أعصابي بصعوبة وقلت له:
اسأل ما بدا لك فأنت تذكّرني بأطفالي الذين لا يكفون عن الأسئلة، بعضها بدافع الفضول وبعضها بهدف استفزازي.
ابتسم وقال: لست طفلك. أنا أسألك لأساعدك. ثم استعاد جديّته وقال:
بحكم دراستنا لكوكبكم وتاريخه فنحن نعلم علم اليقين أن المجتمع القرشي كان مجتمعا يسمح بالحريات والتعدد الديني أفضل مما تفعله الدول العلمانية في عالمكم اليوم. هل توافقني على هذا؟
لم أعرف ما يَرم إليه ولذا أجبته بحذر: أجل أوافقك.
ثم استطردتُ قائلا: كما نعلم جميعا فإنّ الكعبة كانت محاطة ب 360 صنما. كان لكل قبيلة صنما، ولكل بيت صنما، وكانوا يصنعون الأصنام ويبيعونها في أسواقهم. لم يشتك أحد أنّ أحدا أهان صنما لقبيلته أو منع أحدا من العبادة. بل كان هناك الأحناف ومنهم ورقة بن نوفل الذي ذهبت إليه السيدة خديجة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل الوحي على رسولنا الكريم والقصة معروفة.
رائع. أطلقها الكائن الفضائي وكأنه فاز بكأس المجرة لكرة القدم فسألته مستغربا: لم كل هذه السعادة المرتسمة على وجهك وكأنك اجتزت امتحان الثانوية العامة في مصر؟
رد الكائن بجدية: إذا كانت قريش تسمح بتعدد الأديان والأصنام فلمَاذا لم تعتبر الإسلام الصنمَ رقم 361؟ لمَ حاربت الإسلام من أول يوم صدع فيه النبي بدعوته؟ لمَ لم ترضَ أن يعيش الإسلام جنبا إلى جنب بجوار معبوداتهم ما داموا قد رضوا بأن يَعبد كل منهم ما يشاء؟
نظر إليّ مباشرة وبلهجة أرادها استفزازية قال:
"هل فهمَ مشركوا قريش شيئا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "قولو لا إله إلا الله تُفلحوا" وغاب عنكم أنتم المسلمون في عصوركم "الحديثة"؟"
وقبل أن يعطيني الفرصة للرد أسرع يقول: "والآن فلنبدأ الرحلة"
ترقبوا في المقال القادم:
ما الأسباب الحقيقة التي دفعت قريش لمحاربة الإسلام في مهده؟ وما علاقة هذا بنقاشنا حول الدين والدولة؟ وما أسباب العناد في قبول الحق حتى بعد بيانه وسطوعه كالشمس في وضح النهار؟
Comments
Post a Comment