في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (6) — علاقة الإلحاد بالتنويريين والتأويليين

في ضيافة المجهول
 

ظلّ الكائن الفضائي ينظر إليَّ بعينين تلمعان بفضول لم أعتد عليه، وكأنّ كلماتي كانت تُفكك عالمه قطعةً قطعة.

قال: "إنك تتحدث عن الدين وكأنه ثابت لا يتغير، لكن أليس من حق الإنسان أن يعيد النظر فيما يعتقد؟ أن يُعيد تفسير نصوصه لتواكب العصر؟"

ابتسمت بسخرية خفيفة وقلت: "أتعني الهرمنيوطيقا؟"


تدخلت زوجته، وهي تضع يدها على ذقنها بتفكير عميق: 

"ما هذه الكلمة؟ تبدو معقدة."

قلت: 

"الهرمنيوطيقا تعني ببساطة تأويل النصوص المقدسة بشكل يُفقدها معناها الأصلي. إنها ليست مجرد تفسير، بل هي تفكيك للنص حتى يصبح بلا جوهر حقيقي. وكأنك تضع مرآة أمام مرآة، صورة لا نهاية لها لكن بلا مضمون."


قاطعتني ابنته المراهقة بدهشة: 

"لكن أليس من الطبيعي أن يفهم كل شخص النصوص بطريقته الخاصة؟ ألا يعني ذلك حرية التفكير؟"

أجبتها بهدوء:  

"الحرية ليست في تحريف الحقائق، بل في فهمها كما هي. تخيلي أن معلمك يقول لك: 2+2=4، فتُصرّين على أن النتيجة 5 لأنك تشعرين أن هذا يناسبك أكثر. هل هذه حرية؟"


ضحكت بخفة، لكن الكائن الفضائي أعادني إلى الجدّية بسؤال حاد:

 "وهل ظهرت هذه الفكرة فقط للتمرد على الدين؟"

قلت:  

"نعم، بدأت في أوروبا عندما واجه التنويريون تناقضات الكتاب المقدّس مع العلم. فولتير، مثلاً، حاول تفسير النصوص بطريقة رمزية حتى لا يصطدم بالعقل، لكن ذلك أدى في النهاية إلى فقدان الثقة في النصوص نفسها. ومع الوقت، تحولت الهرمنيوطيقا من محاولة فهم إلى أداة للهدم."


قال ابنه الصغير ببراءة:  

"وكيف وصلت هذه الفكرة إلى دينك؟"

تنهدتُ:  

"لم نكن بحاجة لها، لكن بعض ما يُطلق عليهم "مفكّرين" حاولوا استيرادها بحجة الحداثة. ظنّوا أنهم يُجددون الفكر الإسلامي، لكنهم في الحقيقة كانوا يُعيدون نفس الخطأ الأوروبي."


سأل الكائن الفضائي:  

"وكيف ذلك؟"

قلت: 

"عندما تفصل النص عن سياقه، وتمنح كل شخص حق تفسيره كما يشاء، تتحول الشريعة إلى فوضى. يُلغون دور العلماء، ويُشككون في السنة، ويُنشئون حركات مثل القرآنيين الذين يدّعون أنّ كل فرد يُمكنه تفسير القرآن بنفسه."


قالت زوجته:  

"لكن أليس ذلك تقدمًا؟"

ابتسمت بحزن: 

"تقدُّم نحو الهاوية. مثل الذي يهدم بيته ليبحث عن مساحة أكبر. ربما يجد مساحة، لكن بدون سقف يحميه ولا جدران تحمي هويته."


تدخل والد الكائن الفضائي الذي كان صامتًا حتى الآن: 

"وكيف تواجهون هذا الخطر؟"

أجبته بثقة: 

"بالتوعية، وتعزيز الثوابت، والنقد العلمي الذي يكشف تناقضاتهم. علينا أن نحمي تراثنا لا بالسكون، بل بالفهم العميق والحوار المستمر. الدِين ليس عدوًا للعقل، بل هو نوره الحقيقي."


ساد الصمت للحظة، ثم قال الكائن الفضائي: 

"ربما لم أقتنع بكل شيء بعد... لكن لا يمكنني إنكار قوة حجتك."

ابتسمت وأنا أردد في نفسي: 

"الحقيقة لا تحتاج أكثر من عقلٍ مستعد لسماعها."


ترقبوا في المقال القادم: 

كيف بدأت الطبيعة؟ كيف بدأ الكون؟


تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب بصائر، تأليف د. هيثم طلعت، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام