حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (7): لماذا رفضت قريش الإسلام رغم سماحها بتعدد الأديان؟ (الجزء الثاني)
لم أستطع منع تلك القشعريرة الباردة من السريان في جسدي حين أطلق ذلك الكائن الفضائي صرخته قائلًا:
" والآن، فلنبدأ الرحلة!"
تداخلت كل الأفكار في رأسي دفعة واحدة. ما نوع الآلة التي يستخدمها هؤلاء الفضائيون في السفر عبر الزمن؟ هل هي آمنة لمخلوق بشري يختلف عنهم فسيولوجيًا؟ هل السفر عبر الزمن مؤلم؟ وماذا إن لم يستطع جسدي الهزيل تحمل الرحلة؟ وهل قوانين الزمن عندهم تشبه قوانيننا؟ هل سنسافر إلى كوكب الأرض قبل أن نسافر عبر تاريخه؟
عقلي على وشك الانفجار.
أنقذني صوت ضحكة الكائن الفضائي وهو يقول بسخرية:
"ما بك أيها الأرضي؟ هل أنت بخير؟"
حاولت التماسك بعد أن مادت بي الأرض للحظة وقلت، متظاهرًا بالثبات:
"نعم، أنا بخير... ومستعد للسفر."
لم يحاول كتمان ضحكته وهو يشير بيده:
"فلتجلس إذن!"
تساءلت: أين أجلس؟ لم يكن في الغرفة سوى السرير الذي كنت أرقد عليه منذ قليل، لكن قبل أن أفتح فمي ظهر فجأة أمامي كرسي يشبه مقاعد ألعاب الفيديو، تعلوه نظارة يتغير لونها باستمرار بين الأحمر والأصفر والأخضر.
قلت له:
"ما هذا؟ وأين آلة الزمن؟"
رمقني بنظرة شامتة وقال بتشفٍّ واضح:
"ألم تقل لي أن السفر إلى الماضي ضرب من الخيال، وأن أقصى ما يمكننا فعله هو رؤيته عبر تقنيات علمية متطورة؟"
شعرت بخيبة أمل عميقة... كان هناك حلم صغير بداخلي ظل يتشبث بأمل مستحيل: أن أرى النبي ﷺ بأم عيني، أن أجلس عند قدميه، أن أسمع صوته بلا وسيط.
أعلم أن ما له من الهيبة والوقار يجعل من حوله لا يحدّون النظر في وجهه الشريف، وأدرك تمامًا استحالة الأمر، ولكن… لا أدري لماذا لم يزل هذا الأمل العنيد يتشبث بأعماقي.
وضعت النظارة، فظهر عليها تاريخ اليوم. كيف أحدد اليوم بدقة؟ أقصى ما يمكنني فعله هو اختيار العام: 613 ميلاديًا. العام الذي خرج فيه النبي ﷺ بدعوته الجهرية إلى قريش بعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية. لكن… كيف أحدد المكان؟
خلعت النظارة واستدرت إلى الكائن الفضائي الواقف بجواري. لم يكن قد ارتدى نظارته بعد، لكنه قال قبل أن أطرح سؤالي:
"قم فقط باختيار العام، ثم سيظهر لك خيار المكان، بعدها حدّد..."
قاطعته بحدة:
"أعرف أين أريد الذهاب. شكرًا لك."
العام: 613 م
المكان: جبل الصفا، مكة المكرمة
المتحدث: أعظم البشر، سيدنا محمد ﷺ
المستمعون: بطون قريش
ثم بدأت الرؤية تتضح…
رأيت النبي ﷺ واقفًا على جبل الصفا، ينادي بصوت مهيب:
"يا بني فهر، يا بني عدي!"
ارتجّت مكة بنداء لم تعهده من قبل. احتشدت قريش أمامه، كل الوجوه شاخصة نحوه، تنتظر ما سيقول. وحين عمّ الصمت، قال لهم:
"أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟"
نظر بعضهم إلى بعض وأجابوا:
"نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا."
حينها، ألقى النبي ﷺ كلماته الخالدة:
"فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد!"
تردد صدى كلماته ﷺ في المكان، وكأن الكون كله قد سكن ليستمع. لكن، قبل أن يستوعب الجميع وقع هذه الكلمات، قطع الصمت صوتٌ غاضب:
"تبًا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟"
كان هذا صوت أبي لهب.
في تلك اللحظة، أدرك مشركو قريش حقيقة الإسلام منذ الوهلة الأولى. لم تكن الدعوة مجرد وعظ ديني، ولم تكن مجرد طقوس ومعتقدات، بل كانت دعوة إلى تغيير شامل، إلى هدم النظم الفاسدة، إلى بناء مجتمع جديد قائم على التوحيد والعدل.
لقد فهموا المعنى الحقيقي لـ "لا إله إلا الله" منذ اللحظة الأولى. فهموا أنها ليست مجرد كلمة تُقال، بل إعلان ثورة على كل نظام فاسد، دعوة إلى سيادة الإسلام على الأرض كلها، وشرائعه التي ستمحو كل ما قبلها.
مهلًا، مهلًا! أنت تقفز الآن إلى استنتاجات دون أن تبرهن على ما تقول. لا أنكر أنني شعرت بالحيرة من رد فعل أبي لهب على رسول الله ﷺ، فقد كان عمه، وكان يحبه حُبًّا جمًّا حتى قيل إنه أعتق جاريته حين زفّت إليه بشرى مولده ﷺ. لكني أعتقد أن سبب معاداتهم له كان فقط لأنه دعاهم إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام، ولا دخل للسياسة في ذلك.
ضحك الكائن الفضائي ضحكة خافتة، لكنها حملت في طياتها سخرية مبطنة، ثم قال:
"أهذا حقًا ما تظنه؟ هل تعتقد أن قريشًا كانت سترفض مجرد طقوس دينية جديدة؟ هل تظن أن معارضتهم كانت لأن النبي ﷺ دعاهم فقط لترك أصنامهم؟"
ترددتُ قليلًا قبل أن أقول: "ألم يكن الأمر كذلك؟ أليس هذا هو جوهر دعواهم؟"
ساد صمت ثقيل، ثم رمقني الكائن الفضائي بنظرة غريبة، كأنه يقيّم مدى قدرتي على استيعاب الحقيقة. اقترب قليلًا، وقال بصوت منخفض لكنه نافذ: "أنت لا تدرك شيئًا بعد..."
ثم استدار مبتعدًا، تاركًا إياي غارقًا في بحر من التساؤلات .
ترقبوا في المقال القادم:
لماذا كانت معارضة قريش للإسلام أعمق من مجرد رفض عبادة الأصنام؟ ما الذي كانوا يخشونه حقًا من رسالة محمد ﷺ؟
Comments
Post a Comment