في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (7) — كيف بدأت الطبيعة؟ كيف بدأ الكون؟

في ضيافة المجهول

جلسنا جميعًا في تلك الغرفة المعدنية الباردة، يحيط بنا ضوء خافت ينبعث من جدران لا مصدر واضح له. كان الصمت يملأ المكان قبل أن يكسره صوت الكائن الفضائي، بنبرته الفضولية المعتادة:

"كيف بدأ الكون؟ ما الذي جعل كل شيء موجودًا؟"

تنهدتُ قليلًا، ثم قلت: 

"هذا أول سؤال يطرحه الإنسان حين ينظر حوله، وحين يفكر بعمق. كيف بدأ كل هذا؟"


سمعتُ صوتَ ابنته تقول بتحدٍ واضح: 

"الطبيعة خلقت نفسها".

ابتسمتُ وقلتُ: 

"هذا بالضبط ما يقوله الإلحاد الجديد، مثل القديم تمامًا. الطبيعة عندهم هي كل شيء، ولا شيء غير الطبيعة. إنها أكبر وثن اتُّخذ من دون الله في تاريخ الكفر البشري."

توقفتُ للحظة، ثم أضفتُ: 

"الإلحاد، في حقيقته، وثنية حديثة. ينسب للطبيعة المادية القدرة على الخلق والإيجاد والتدبير. ولذلك سمّى ريتشارد دوكينز، أحد أشهر الملاحدة، الطبيعة بـ 'صانع الساعات الأعمى'."


رفع الكائن الفضائي حاجبه بتعجب: 

"صانع ساعات... أعمى؟ كيف يمكن لشيء أعمى أن يصنع شيئًا معقدًا؟"

قلتُ: 

"هنا تكمن السفسطة. الدكتور حسام حامد وصف الأمر ببراعة: 'الملحد ارتقى جبل السفسطة، وبينما هو على وشك أن يقهر أعلى قمة، إذ تعترضه آخر صخرة، وما إن يصعد، إذا به يجد جماعة من الوثنيين كانوا يجلسون هناك منذ قرون.'"


تدخل والده، بصوت هادئ: 

"لكن... ماذا يقول العلم؟ هل الطبيعة أزلية؟"

أجبتُ: 

"في القرن العشرين، اكتشفنا حقيقة علمية مذهلة: الطبيعة لها بداية. الكون نفسه له بداية، ولم يكن دائمًا موجودًا. لقد أصبح من المسلَّمات اليوم أنّ الكونَ ظهر فجأةً من اللازمان واللامكان."


ظهرت ملامح الدهشة على وجوههم جميعًا. قالت الابنة: 

"لكن إذا لم يكن الكونُ موجودًا، فمن أوجده؟ لا يُمكن للعدم أن يخلُق شيئًا، أليس كذلك؟"

ابتسمتُ: 

"بالضبط. هذه هي الورطة الكبرى أمام الإلحاد. الكون ظهر فجأة بمنتهى الضبط، بثوابت فيزيائية مدهشة ودقيقة. وهذا يعني أنّ الكون لم يكن له دور في إيجاد نفسه. فكيف يخلق الشيء نفسه وهو غير موجود بعد؟"


تدخل الكائن الفضائي، محاولًا الربط: 

"إذا لم يكن الكونُ قادرًا على خلقِ نفسه، فلا بُدّ أنّ هناك خالقًا خارج الكون، أليس كذلك؟"

أومأتُ برأسي مؤكدًا: 

"نعم. قال الله تعالى: 'أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ'".


تقدم والده خطوة للأمام: 

"لكن، ألا يشعر الملحدون بهذه الإشكالية؟"

أجبتُ: 

"بعضهم يشعر بذلك بشدة. ديفيد بيرلنسكي قال: 'ينزعج الفيزيائيون بشدة من حقيقة أن للكون بداية لأن هذا أمر له لوازم دينية.' وكذلك قال ستيفن هوكينغ: 'الذين لا يُحبّذون حقيقة بداية الزمن وبداية الكون يفعلون هذا لأنّ لهذا الأمر بُعدًا دينيًا.'"


ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه ابنته وهي تقول: 

"إذًا، المشكلة ليست في الدليل، بل في قبولهم لنتائجه."

ضحكتُ: 

"أنتِ تفهمين بسرعة. نعم، بداية الكون هي حقيقة مزعجة للملحد الحقيقي المُلم بعلوم الفيزياء. ولكن كثيرًا منهم يُفضّلون الهروب من هذا الاستنتاج، لأنهم لا يريدون الاعتراف بوجود خالق."


ساد الصمت للحظات، ثم قال الكائن الفضائي بصوت منخفض: 

"ربما ليس السؤال كيف بدأ الكون، بل لماذا بدأ."

أجبته مبتسمًا: 

"وهذا سؤال يقودنا إلى بُعد أعمق... سنناقشه لاحقًا."


تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب بصائر، تأليف د. هيثم طلعت، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام