حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (8): هل كان خوف قريش من الإسلام أم من العدل؟

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة

تأملتُ طويلًا في شاشة الزمن، حيث كان النبي ﷺ واقفًا على جبل الصفا، يخاطب قريشًا بكلمات تزلزل أركان الجاهلية. لم يكن الأمر مجرد دعوة لترك الأصنام، بل كان إعلانًا بانتهاء عهد الاستبداد والفساد، وبداية نظام جديد قائم على العدل والمساواة.

قاطعني صوت الكائن الفضائي وهو يقول:

 "لقد رأيت بعينيك الآن. هل ما زلت تظن أن مشكلة قريش مع الإسلام كانت مجرد مسألة دينية؟"

ترددتُ قليلًا، ثم قلتُ مدافعًا:

"لكنهم كانوا يعبدون الأصنام، والإسلام جاء ليهدم هذه العقيدة، أليس هذا سببًا كافيًا لمحاربتهم له؟"


ابتسم الكائن الفضائي بسخرية وقال:

"يا لهذا التفكير السطحي! أخبرني، كم ديانة كانت موجودة في مكة قبل الإسلام؟ كم إلهًا كان يُعبد بجوار الكعبة؟"

قلتُ بحذر:

"الكثير... لقد كانوا يعبدون 360 صنمًا."

أومأ برأسه:

"بالضبط! كانوا متسامحين مع جميع هذه الديانات، فلماذا لم يثوروا ضد أي منها؟ لماذا لم يحاربوا أيّا ممن ادعى النبوة سواء ظهر قبل محمد ﷺ أو تزامن معه أمثال الأسود العنزي؟"


حاولتُ أن أبحث عن إجابة، لكنني لم أجد. فتابع بصوت هادئ لكنه حاد:

"لأن هذه الديانات لم تهدد سلطتهم، لم تمس امتيازاتهم، لم تطالب بإعادة توزيع الثروة، ولم تدعُ إلى تحكيم العدالة على الجميع دون استثناء. أما الإسلام، فقد فعل ذلك كله من اليوم الأول!"

قلتُ محاولًا التمسك برأيي: 

"لكن الإسلام كان يدعو فقط إلى عبادة الله، فكيف يكون تهديدًا سياسيًا؟"

ضحك الكائن الفضائي ضحكة قصيرة وقال: 

"يا صديقي البشري، لا يمكنك أن تفصل التوحيد عن السياسة. حين تقول 'لا إله إلا الله'، فأنت تعلن أن السيادة المطلقة لله وحده، لا لرئيس قبيلة، ولا لملك، ولا لنظام وضعي. وهذا يعني أن القوانين يجب أن تستمد من الله، وليس من أهواء البشر. هل تظن أن سادة قريش لم يفهموا هذا؟ لقد فهموه جيدًا، ولهذا حاربوا الإسلام بكل ما أوتوا من قوة."


سكتُّ للحظة، ثم قلتُ بصوت ضعيف:

 "لكن... هل يمكن أن تكون السياسة منفصلة عن الدين؟ أليس من الأفضل أن يكون الدين في المسجد والسياسة في الدولة؟"

نظر إليّ نظرة طويلة، ثم قال بنبرة ساخرة:

 "أخبرني، هل رأيت من قبل قانونًا بلا أساس أخلاقي؟

 أليست السياسة في النهاية انعكاسًا لقيم المجتمع؟

 وإذا كانت القيم مستمدة من الدين، فلماذا يُحرم عليها أن توجّه السياسة؟

 أم أنك تُفضّل أن يضع القوانين أهواء البشر بدلًا من مبادئ إلهية ثابتة؟"

حاولتُ أن أجيب، لكنني لم أجد الكلمات المناسبة.


ابتسم الكائن الفضائي ابتسامة غامضة وقال بصوت عميق:

 "تظن أن حرب قريش ضد الإسلام انتهت؟ لا يا صديقي، هي لم تنتهِ ولن تنتهي. الفرق الوحيد أن راية قريش انتقلت عبر القرون، حتى وصلت اليوم إلى أيدي قوى أخرى، تدّعي الحرية بينما تخشى الإسلام أكثر من أي شيء آخر. هل تظن أن كل هذه الحروب، والانقلابات، والتشويه الإعلامي للإسلام جاءت صدفة؟ الغرب، بقيادة أمريكا، يدرك جيدًا ما أدركته قريش من قبل: الإسلام ليس مجرد صلاة وصيام، بل قوة حضارية تهدد احتكارهم للسلطة والثروة. ولهذا، لن يسمحوا للمارد الإسلامي أن يقوم من كبوته."


ترددتُ للحظة، قبل أن أسأله بصوت خافت:

"وما الحل؟ كيف نواجه كل هذا؟"

أجابني بثقة: 

"ليس بالسلاح، وليس بالشعارات الفارغة. خلاصكم، أيها المسلمون، ليس إلا في العودة إلى دينكم، فهمه كما فهمه نبيكم ﷺ وصحابته، وتطبيقه كما أنزله الله، لا كما تريده قوى الغرب أن يكون. حين تُقيمون العدل بينكم، وتحققون المساواة، وتنشرون الحرية والكرامة كما أرادها الإسلام، حينها فقط… سينهار الطغيان كما انهارت أصنام قريش ذات يوم."


أشار إلى شاشة الزمن حيث كانت قريش تجتمع لتقرر كيف تواجه دعوة محمد ﷺ. 

كانت وجوههم متجهمة، أصواتهم غاضبة، ولم يكن بينهم من يفكر في التعايش أو الحرية الدينية. كانوا يدركون أن الإسلام ليس مجرد صلاة وصيام، بل نظام يهدد حكمهم القائم على الظلم والاستبداد.

أما أنا، فوق كرسي الزمن هذا، فقد بدأتُ أرى الأمور بمنظور مختلف. ربما، فقط ربما، كنتُ مخطئًا طوال الوقت...

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام