من أبرز سمات
البيان القرآني التكامل بين بداية السورة ونهايتها، وسورة البقرة مثال واضح على
ذلك، حيث تتجلى المناسبة بين افتتاحيتها وخاتمتها في عدة أوجه، من أهمها:
-
هداية
القرآن:
بدأت
السورة بإثبات أن القرآن هدى للمتقين: (ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِ
هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ) [البقرة: 2]، وختمت بالإقرار بالإيمان به: (ءَامَنَ
ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ) [البقرة: 285]. -
الإيمان
بالغيب:
في بداية
السورة، كان أول وصف للمتقين أنهم (يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ) [البقرة: 3]،
وفي نهايتها، جاء تأكيد الإيمان بجميع أركانه: (وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ كُلٌّ
ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِ) [البقرة: 285]. -
أهمية
الصلاة والزكاة: في
الافتتاح، امتدح الله المتقين بأنهم (وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ
ٱلزَّكَوٰةَ) [البقرة: 3]، وفي الخاتمة، جاء الثناء عليهم بنفس السياق مع
بيان حسن العاقبة: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا ٱلصَّٰلِحَٰتِ
وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ
رَبِّهِمۡ) [البقرة: 277]. -
الإيمان
بالأنبياء والكتب السماوية: في
البداية، جاء الإيمان بما أنزل على النبي محمد ﷺ وما أنزل من قبله:
(وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن
قَبۡلِكَ) [البقرة: 4]، وفي الخاتمة، تم التأكيد على هذا المبدأ بتفصيل أكبر:
(لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِ) [البقرة: 285]. -
ذكر
الكافرين والمنافقين: في
بداية السورة، تحدث الله عنهم في قوله: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ) [البقرة:
6]، (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ
ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ) [البقرة: 8]، وفي الختام جاء الدعاء:
(أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ) [البقرة:
286]. -
التذكير
باليوم الآخر: بدأ
الحديث عنه في وصف المتقين: (وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ) [البقرة: 4]،
ثم تكرر التذكير به في الختام: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى
ٱللَّهِ) [البقرة: 281]. كما اختتمت السورة بحديث عن الحساب والمغفرة والرحمة.
بهذا يظهر
التناسق العجيب بين بداية السورة ونهايتها، وهو من أوجه الإعجاز البياني في القرآن
الكريم، حيث يتم إحكام السور وتوجيه معانيها بأسلوب يربط الأوائل بالأواخر في
تناغم متكامل .
تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، تأليف نخبة من العلماء بإشراف أ.د. مصطفى مسلم، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.
Comments
Post a Comment