حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (9): هل كان القرشيون يعترفون بوجود الله عز وجل؟
تركني حواري السابق مع الكائن الفضائي في دوامة من الحيرة والتفكير. شعرت وكأنني أقف على حافة جرف، أحاول أن أستعيد توازني بين قناعاتي القديمة وحقائق جديدة تلوح في الأفق. لم يكن من السهل زعزعة تلك القناعات التي عشت عليها طوال حياتي، لكنني عقدت العزم على البحث عن الحقيقة، مهما كلّفني ذلك من اضطرابات فكرية أو نفسية.
تذكرت يوم الوقوف بين يدي الله ﷻ، وخشيت أن أعتنق فكرة لا تُرضيه عني.
لم يكن المهم حينها قدرتي على تطبيق ما أؤمن به بالكامل، بل كان الأهم أن أفهم ديني فهمًا صحيحًا، وأدرك أهدافه السامية. الله ﷻ ليس كبقية البشر؛ فهو يكافئ على المجهود والإخلاص، في حين يكافئ الناس غالبًا على النتائج فقط..
قاطعني الكائن الفضائي بصوته الهادئ، الذي يحمل شيئًا من التحدي:
"هل أنكر كفار مكة أن الله خلقهم وخلق كل شيء؟"
توقفت لحظة أستوعب سؤاله، ثم طلبت منه أن يعيده. كرره بصبر، وكأنه يعلم أنني أحتاج وقتًا لأفكر بعمق.
تفكرت قليلاً، ثم قلت بثقة:
"كلا. لم يكن كفار مكة ينكرون أن الله خلقهم وخلق كل شيء."
ودليلي في هذا قوله تعالى:
"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" (الزخرف: 87).
"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ" (الزخرف: 9).
"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" (العنكبوت: 61).
رد الكائن بصوت ملؤه الانبهار:
"ما زلت أتعجب من قدرة المسلمين على حفظ القرآن واستحضاره في نقاشاتهم. بل الأعجب من ذلك أنهم يجدون فيه دائمًا إجابات لأسئلتهم."
ابتسمت قائلاً:
"مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" (الأنعام: 38).
صمت لحظة، ثم قال وكأنه يزن كلماته قبل أن يقولها:
"لم أطلق عليهم القرآن لفظ الكفار إذن، ما داموا قد آمنوا بوجود الله وأنه قد خلقهم وخلق كل شيء؟"
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن أجيبه:
"لفظ الكفر في اللغة معناه الجحود والإنكار وإخفاء الحقيقة. قال تعالى:
"وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا"
كما يحمل معنى التغطية، ولهذا سُمّي الفلاحون في القرآن 'كفارًا' لأنهم يغطون البذور في الأرض:
"اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ"
ثم واصلت:
الإيمان في الإسلام ليس مجرد الاعتراف بوجود الله، بل يشمل التصديق برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وعبادة الله وحده دون شريك.
المشركون في مكة كانوا يعبدون الأصنام والأوثان مع اعترافهم بوجود الله، وهذا هو الشرك الذي يعتبر كفرًا أكبر في الإسلام. قال تعالى:
"إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا"
وهم زعموا أنها تقربهم إلى الله:
"مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"
رد الكائن الفضائي، وكأنه يضعني أمام اختبار جديد:
"ألا يستلزم هذا الاعتقاد، الذي وصفته، الإيمان بأن الله هو المشرّع؟ وأن التشريع الإلهي يجب اتباعه في كل عصر؟ وأن القوانين يجب أن تُستمد من التشريعات الإسلامية؟"
ثم أضاف بذكاء:
"هذا لا يعني تعطيل العقل وإغلاق باب الاجتهاد. فبتغير الظروف والأزمنة، يستجد ما لم يكن موجودًا من قبل، ولذا يجب على علماء المسلمين استخدام عقولهم وفقه الموازنات وفقه الواقع لإيجاد حلول لمشكلات لم تظهر فيمن كان قبلهم. ولكن يستلهموا هذه الحلول من الإطار العام للشريعة الإسلامية."
أجبته بسرعة:
"أخيرًا، نحن متفقان. القوانين يجب أن تكون مستمدة من التشريع الإلهي، وليس من أهواء البشر الذين يحلون ويحرمون على حسب أهوائهم وما تقتضيه مصلحتهم."
ثم أضفت بغضب مكبوت:
"وكفى بأحداث غزة دليلاً على ازدواجية المعايير عند الغرب، ممن يدعي التطور والحداثة. كلنا قد رأينا كيف ظلوا يصدعون رؤوسنا سنينًا طويلة بقدرتهم على التعبير عن آرائهم. ولكن ما أن تعارضت هذه الحرية المزعومة مع فئة حكّامهم الذين يساندون إسرائيل، حتى هرع هؤلاء الحكّام إلى تغيير 'قوانينهم الوضعية' ليُجرّموا التظاهر. فما كان بالأمس حلالًا أصبح حرامًا بين عشية وضحاها."
نظر الكائن إليّ بنظرة مملوءة بالإعجاب، وقال:
"من الشجاعة أن تعترف بخطئك. فئة قليلة جدا منكم أيها البشر من يستطيع فعل هذا."
أجبته بسرعة:
"ولكن لا تأخذ هذا على محمل الموافقة على كل ما جئت به. صحيح أننا متفقان في بعض الأمور، ولكن هذا لا يعني أنني قد استسلمت."
ابتسم الكائن الفضائي ابتسامة غامضة، وقال:
"إذن فلتنتظر بقية الحجج التي سآتيك بها من تاريخك الإسلامي وأفعال نبيكم وصحابته، لأبرهن لك أنك مخطئ."
ابتسمت ابتسامة رضى، وقلت له:
"أتطلع شوقًا لسماع ما عندك. ولكن بعد أن آخذ قسطًا من الراحة وأفكر فيما تناقشناه اليوم."
ترقّبوا
في المقال القادم:
مقاعد
تتحدى الجاذبية... وأسئلة تتحدى اليقين
رحلة
جديدة لا تُقاس بالكيلومترات، بل بعمق التساؤلات. سننتقل إلى فضاء آخر حيث لا
قوانين للجاذبية تحكمنا، لكن هناك أسئلة ثقيلة تتحدى ثبات يقيننا. هل أنتم مستعدون
لتجربة فكرية ترفعكم فوق المسلّمات وتدفعكم لإعادة النظر فيما كنتم تظنونه حقائق
راسخة؟
Comments
Post a Comment