في ضيافة المجهول: رحلة فلسفية مع كائن فضائي (9) — مغالطة التوسل بالمستقبل: هل يحمل الغد إجابة؟
جلسنا في ذلك الركن المظلم من السفينة الفضائية، حيث ينبعث ضوء خافت يكسر حدة العتمة المحيطة. تبادلنا نظرات صامتة قبل أن يفتح الكائن الفضائي الحوار بصوته العميق:
"حسنًا، ربما لا نملك اليوم تفسيرًا لكيفية ظهور الكون، لكن من يدري؟ ربما في المستقبل سنكتشف الحقيقة. أليس هذا احتمالاً معقولاً؟"
ابتسمت بهدوء وأجبت:
"هذا ما يُسمى بمغالطة التوسل بالمستقبل. إنه أشبه بشخص يرفض الاعتراف بحقيقة واضحة اليوم، لأنه يأمل أن يظهر في الغد ما يدعم إنكاره. لكن هل نؤسس معتقداتنا على آمال فارغة؟ هل نراهن على مجهول لم يتحقق؟"
تدخلت زوجته بدهشة:
"لكن، ألا يتطور العلم باستمرار؟ ربما تكشف لنا الأبحاث القادمة كيف بدأ الكون دون الحاجة لفكرة خالق."
أومأت برأسي:
"العلم يتطور، نعم، لكنه لا يغير الحقيقة بناءً على الأماني. الحقيقة هي ما يتوافق مع الواقع، لا ما نتمنى اكتشافه. أليس من الغريب أن يختار الملحد الرهان على فرضيات مستقبلية غير معروفة بينما يتجاهل دلائل حاضرة وواضحة أمامه؟"
قال تعالى:
"وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ".
صمت الجميع لوهلة، ثم تحدثت ابنته بصوت خافت:
"لكن... ماذا لو كنا مخطئين؟ ماذا لو كان هناك تفسير آخر؟"
تنهدت وقلت:
"ليس الخطأ في البحث عن تفسير آخر، بل في تجاهل الأدلة الواضحة بحجة أن هناك احتمالاً لظهور دليل جديد. هذا ليس تفكيراً علمياً، بل هو هروب من الحقيقة."
أشرت نحو النافذة الزجاجية التي تطل على الفضاء الشاسع:
"انظري إلى هذا الكون. جاء في لحظة بمنتهى الضبط، بثوابت فيزيائية دقيقة لو اختلّ واحد منها بجزء من مليارات المليارات لما ظهر الكون أصلاً. هل هذا محض صدفة؟ أم هو دليل على وجود خالق أتقن صنعه؟"
قال تعالى:
"وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ".
لقد اختار البعض ألا يسمع وألا يعقل، معلقين إيمانهم على آمال المستقبل، بينما الحقيقة تهمس في آذانهم الآن.
تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب بصائر، تأليف د. هيثم طلعت، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.
رائع بجد
ReplyDelete