رمضان والقرآن (10): محاور سورة آل عمران (الجزء الثاني)
سورة آل عمران من أبرز السور التي أكّدت على عقيدة التوحيد، حيث جاء فيها التصريح بوحدانية الله تعالى في خمس مواضع، وهو العدد الأكبر في أي سورة من سور القرآن الكريم. ومن هذه المواضع قول الله تعالى:
- ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ آية 2
- ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ آية 6
- ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ آية 18
- ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ آية 62
ويُلاحَظ أن شهادة التوحيد "لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ" لم تتكرر مرتين في آية واحدة في أي موضع من القرآن الكريم إلا في سورة آل عمران، وذلك في الآية 18، مما يدل على التأكيد الشديد على عقيدة التوحيد.
التأكيد على عبادة الله وحده
لم تكتفِ السورة بإثبات التوحيد، بل أكّدت ضرورة عبادة الله وحده ونبذ الشرك به، كما في قوله تعالى:
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ آية 64
وما يميّز هذه الآية عن غيرها من آيات الدعوة إلى التوحيد في القرآن الكريم هو التأكيد الصريح على عدم الإشراك بالله، والتنبيه على خطورة اتخاذ البشر آلهة من دون الله، وهي إشارة واضحة إلى رفض تأليه المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.
التكرار الأبرز للفظ "الإسلام" في القرآن
تميّزت سورة آل عمران عن باقي السور بتكرارها لكلمة "الإسلام" ومشتقاتها أكثر من أي سورة أخرى، فقد جاء فيها:
- ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ آية 19
- ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ آية 20
- ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ آية 52، على لسان الحواريين
- ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ آية 64
كما أن الفعل "أسلم" لم يرد ثلاث مرات في آية واحدة في أي سورة من القرآن الكريم إلا في سورة آل عمران، وذلك في قوله تعالى:
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ آية 20
خلاصة
تتجلّى في سورة آل عمران عظمة التوحيد وترسيخ عقيدة الإسلام، حيث كرّرت شهادة التوحيد أكثر من أي سورة أخرى، وربطت بين التوحيد والإسلام بشكل وثيق. كما أنها خاطبت أهل الكتاب بحوار عقلاني، ودعتهم إلى الإيمان بالله الواحد، ونبذ الشرك والابتعاد عن تأليه البشر. وهذه المحاور تجعل سورة آل عمران من أهم السور في القرآن الكريم التي ترسّخ مفهوم العقيدة الإسلامية في أسمى صورها.
تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، تأليف نخبة من العلماء بإشراف أ.د. مصطفى مسلم، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.
Comments
Post a Comment