الإسلام والبيئة (10): هل يستطيع الإسلام إنقاذ الأرض؟ سؤال يثير الجدل

 

سلسلة الإسلام والبيئة

كان الحكيم جالسًا تحت صخرة ضخمة، وقد التفَّ حوله الأطفال كعادتهم، ينظر إليهم بصمتٍ، كأنه يتأمل مصير الأرض بين ملامحهم البريئة. هذه المرة، بادرته بسؤال أثار فضول الجميع:

"يا شيخ، ما علاقة الدين بالبيئة؟ أليس الدين فقط لتنظيم علاقة الإنسان بربه؟ البيئة والطبيعة ليست من مجالاته، أليس كذلك؟"

ابتسم الشيخ بحكمة وقال:

"يا بني، يبدو أن هذا السؤال ليس من وحي تفكيرك وحدك، بل هو ترديد لما يسمعه الناس في زمانكم! دعني أسألك: من الذي خلق الكون وأودع فيه هذا النظام الدقيق؟"


ترددت قليلًا ثم قلت:

"الله، بالطبع!"

قال الشيخ:

"حسنًا، إذا كان الله هو الذي خلق الأرض والسماء، وسخّر الشمس والقمر، وأودع في كل شيء نظامًا بديعًا، أفلا يكون من صُلب رسالته أن يحافظ الإنسان على هذا النظام بدلًا من تدميره؟ ألا ترى أن الله قد أنزل شريعة تحكم معاملات الناس، بل حتى طريقة تعاملهم مع الحيوان والطير والشجر؟"


قاطعته قائلا:

"لكن كيف يمكن لدين نزل قبل 1400 سنة أن يعالج مشاكل بيئية حديثة، مثل التلوث والتغير المناخي واندثار الغابات؟"

هنا قاطعني أكبر الأطفال سنا، وقد شعر أن الوقت قد حان للتدخل، فقال:

"هذا السؤال يتكرر كلما ناقشنا دور الدين في الحياة. ولكن، هل تعتقد أن الإسلام دين محصور في زمن معين، أم أنه دين صالح لكل زمان ومكان؟"


قلتُ متحمسًا:

"الإسلام صالح لكل زمان ومكان، لكنني لا أفهم كيف يمكنه حل مشاكل البيئة اليوم؟

هنا قال الشيخ مبتسمًا:

"دعني أوضح لك الأمر. الإسلام لم يكن يومًا كتابًا نظريًا مغلقًا، بل هو منهج حياة قائم على قواعد ومبادئ مرنة، تستطيع أن تجيب عن كل ما يستجد من مشكلات. ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: حتى أرش الخدش؟"


نظر الجميع إليه باستغراب، فقال موضحًا:

"الحديث يقول:  قضى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في كلِّ جرحٍ يُصيبُ الرجلَ في جسدِه، بالقصاصِ، حتى في أرْشِ الخَدْشِ (رواه أبو داود والنسائي). ومعنى ذلك أن الإسلام لم يترك أمرًا إلا وضع له حكمًا، حتى الخدش البسيط! فكيف لا يكون له موقف من قضية تهدد حياة البشرية بأكملها؟"

تنهد الشيخ ثم تابع:

"الإسلام يحكم علاقة الإنسان بكل شيء من حوله، بما في ذلك الطبيعة. خذ مثلًا قضية الماء، أليس الماء هو أصل الحياة؟ قال الله تعالى:  (وجعلنا من الماء كل شيء حي) (الأنبياء: 30). ومع ذلك، تجد النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من تلويث الماء أو الإسراف في استخدامه، بل ويجعل من سقيا الماء أعظم الصدقات! ألم يقل : (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل)؟ (رواه أبو داود). هذه ليست مجرد كلمات وعظية، بل تشريعات لو تمسك بها البشر لما وصل حال البيئة إلى ما هو عليه اليوم."


سأل أحد الأطفال بفضول:

"وكيف يضمن الإسلام التزام الناس بهذه التعاليم؟ القوانين الوضعية موجودة، لكن الناس يخالفونها باستمرار!"

قال الشيخ:

"هنا يظهر الفرق بين القانون البشري والقانون الإلهي. القوانين الوضعية تحتاج دائمًا إلى رقابة وعقوبات حتى تُطبق، أما المؤمن الحقيقي، فهو يراقب نفسه بنفسه لأنه يعلم أن الله مطّلع عليه. قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق: 14]، وقال سبحانه ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد: 4]. هذه الرقابة الداخلية هي ما يجعل المسلم الحقيقي يتجنب الفساد في الأرض، حتى لو غابت عنه أعين البشر."


ساد صمت قصير، ثم ألقيت بسؤالي:

"إذا كان الإسلام يملك الحلول، فلماذا لا نرى المسلمين في مقدمة الدول التي تحمي البيئة؟"

أطرق الشيخ رأسه بحزن وقال:

"لأننا لم نعد نفهم ديننا كما ينبغي، فصرنا نردد شعاراته دون أن نطبّق جوهره. لو عدنا إلى تعاليم الإسلام بحق، وأصلحنا أنفسنا، وأخذنا بالأسباب، لكان وعد الله لنا نافذًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]. فالإصلاح لا يبدأ من الخارج، بل من الداخل.. من قلوبنا وعقولنا وإرادتنا."


نظر الأطفال إلى بعضهم البعض بتأمل، فقد أدركوا أن الحل لم يكن يومًا بعيدًا، بل كان دائمًا أقرب مما يظنون.. الحل في داخلنا، وفي تعاليم ديننا التي أضاعها كثير من الناس.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام