فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (11): بداية مواجهة أهل الباطل

 

سلسلة فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ

قال الله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}

بهذه الآية يبدأ خطاب مختلف في السورة، بعد إعداد النبي صلى الله عليه وسلم لتحمُّل الرسالة، والحديث عن رهبة يوم القيامة. هنا يأتي خطاب تهديدي من الله تعالى لأحد أعتى المكذبين والمعارضين لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الوليد بن المغيرة، الذي كان رمزًا من رموز القوة في قريش، ومثالا للكبر والطغيان.


لطائف التفسير وإعداد الداعية:

  • {ذَرْنِي}:  هذا التعبير يحمل تهديدًا مباشرًا من الله تعالى، وكأنّ الله يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يترك أمر هؤلاء الجبابرة لله، فهو كفيل بحسابهم وعقابهم. وهو تهديد يحمل في طيّاته التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، ويمنحه القوة النفسية أمام سطوة المتجبرين.
  • {وَحِيدًا}:  الوليد بن المغيرة، رغم ثروته وجاهه ونفوذه، سيقف أمام الله وحيدًا بلا ناصر ولا معين، وهو الذي كان يعتبر نفسه فوق البشر.


إسقاطات معاصرة:

اليوم، نرى القوى الكبرى التي تتزعم العالم وتتصدر مشهد السيادة الدولية، تعيث في الأرض فسادًا، تحارب الإسلام وتستهدف أهله بكل وسائل الحرب الحديثة، من إعلام كاذب إلى ضغوط اقتصادية إلى تحالفات عسكرية. أمريكا وإسرائيل، ومن وراءهم من قوى الغرب المستعمر، يتجبرون في الأرض، ويتوهمون أن قوتهم وعلاقاتهم وعتادهم سيحميهم من عدل الله وحسابه.

لكنهم، كما الوليد بن المغيرة، سيقفون يومًا أمام الله فرادى، لا تحميهم جيوشهم، ولا حصونهم الإعلامية، ولا خيالات الهيمنة التي عاشوا بها طويلًا. {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} ليس خطابًا موجّهًا فقط لذلك المكذّب الأول، بل هو رسالة لكل طاغية عبر التاريخ، لكل من يتكبر عن الحق، لكل من يتآمر على دين الله وأهله.


ومع استمرار السورة، سنتعرف أكثر على صفات أهل الباطل، وطرقهم الخبيثة في مواجهة الحق، في تجانس مذهل بين التاريخ والواقع، وكأن السورة تصف حاضرنا كما وصفت ماضينا.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام