الإسلام والبيئة (11): لماذا تخلفت بلاد المسلمين بيئيًا؟ مفارقة محزنة!
جلستُ في ذلك المجلس الدائري الذي بات مألوفًا لي، حيث الأطفال يجلسون حول الحكيم ينصتون لكلماته كمن ينهلون من نبع الحياة. لكنني اليوم لم أكن مستمعًا فقط، بل كنت ممتلئًا بحيرة وغضب مكتوم، فسألت بصوت يملؤه الاستنكار:
"إذا كان الإسلام، كما تقولون، قد وضع القواعد الكاملة للحفاظ على البيئة، فلماذا إذن الدول الإسلامية من أسوأ البلدان من حيث التلوث والإهمال البيئي؟ لماذا نعاني من المدن الملوثة، والبحار المسمومة، والغابات التي تُباد دون رقيب؟! كيف تفسرون هذا التناقض العجيب؟!"
نظر الحكيم إليّ بعينين عميقتين وقال:
"سؤالك هذا محزن، لكنه ليس محيرًا. نعم، حال المسلمين اليوم مؤسف، ولكن هل هذا خطأ الإسلام؟ أم خطؤنا نحن في فهمه وتطبيقه؟"
أخذ نفسًا عميقًا ثم تابع:
"لننظر للأمر بعقل متجرد: الأمة الإسلامية متخلفة في شتى المجالات العلمية، فهل من المنطقي أن تكون متقدمة بيئيًا؟ عندما تضعف الأمة في فهم دينها وتُهمل العلم والمعرفة، فمن الطبيعي أن تتراكم الأخطاء، ومنها إهمال البيئة."
أضاف أحد الأطفال بحماسة:
"ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا") طه: 124(.
هز الحكيم رأسه مؤيدًا، ثم أضاف:
"وهناك سبب آخر، وهو الاستعمار الذي جاء ليستنزف بلادنا، لقد نهب ثرواتنا، وسخّر مواردنا لصالحه، وأسس أنظمة لا تخدم شعوبنا بل تخدم شركاته. الشركات العملاقة اليوم تدمر الغابات، وتسمم الأنهار، وتغرق السماء بالسموم، ثم تُلقي اللوم على الشعوب التي لا تملك إلا الفتات!"
كان الأطفال يستمعون بانتباه، فواصل الحكيم قائلاً:
"ثم هناك مسألة في غاية الأهمية: وجود التعاليم الإسلامية شيء، وتطبيقها شيء آخر. لو كانت المشكلة في الإسلام نفسه، لما وجدنا في تراثنا أحاديث تحذر من تلويث الماء، وتحث على التشجير، وتنهى عن الإسراف في الموارد!"
نظر إلي ليتأكد من انتباهي ثم أضاف:
"نعم، الإسلام يحث على حماية البيئة، لكن أين الفقهاء الذين اجتهدوا لاستنباط القوانين البيئية الملزمة؟ أين التوعية التي تغرس في الناس حس المسؤولية تجاه الطبيعة؟ للأسف، هذا المجال لم يُعطَ حقه من الاجتهاد الفقهي، ومن نشر الثقافة البيئية في مجتمعاتنا."
سألتُ متحيرًا:
"وما الحل إذن؟ كيف نصلح ما فسد؟"
أجاب الحكيم بنبرة واثقة:
"علينا أن نُحيي هذا الفقه البيئي، أن نضع قوانين مستمدة من ديننا تحمي الطبيعة، لا أن نستورد قوانين غربية بلا روح. يجب أن نربي أجيالًا تدرك أن الإحسان إلى البيئة عبادة، كما أن الصلاة عبادة. يجب أن يكون الحفاظ على نظافة الشوارع، وحماية المياه، وغرس الأشجار، جزءًا من مناهجنا الدراسية ومن حياتنا اليومية."
ثم أشار إلى طفل صغير جلس صامتًا طوال الوقت، وقال له:
"اقرأ لنا ما تحفظ عن صلاح الأرض بعد فسادها."
فرفع الطفل صوته مرددًا:
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم") الرعد: 11(
أحنيتُ رأسي، مستشعرًا ثقل هذه الكلمات… نعم، لن يتغير حال الأرض إلا إذا تغير حالنا أولًا.
Comments
Post a Comment