سلسلة الإسلام والبيئة (12): لماذا اهتم الإسلام بالنظافة قبل 1400 عام؟

 

سلسلة الإسلام والبيئة

جلستُ في مجلس الحكيم، محاطًا بالأطفال الذين اعتادوا الإنصات لكلماته الحكيمة. لم أتمالك نفسي من طرح سؤال راودني طيلة حديثنا عن البيئة:

"ألا ترى أنه من الغريب أن يأتي الإسلام قبل أكثر من 1400 عام ويهتم بهذا الشكل بالبيئة والنظافة؟ في ذلك الوقت، لم يكن الحصول على الماء بهذه السهولة، ومع ذلك نجد دواوين السنة مليئة بالتوجيهات النبوية والآداب السَنِيَّة حول النظافة، سواء نظافة الجسد أو المكان أو حتى الهواء والماء! لماذا كل هذا الحرص؟"

نظر إليَّ الحكيم نظرة العارف الذي أدرك جهلي قبل أن أتفوه به، ثم قال بصوت هادئ:

"لأن الإسلام جاء ليحفظ الإنسان، وصحته هي أحد أهم مقاصد الشريعة. كل ما يُلحق الضرر بالإنسان، جسديًا أو نفسيًا، فهو مرفوض في ميزان الإسلام."


تابع الحكيم:

"اهتمام الإسلام بالبيئة ليس مجرد أمر ثانوي، بل هو جزء من تكريم الله للإنسان، الذي جعله خليفة في الأرض، وحمّله مسؤولية إعمارها، كما قال تعالى:

(هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها (هود: 61

ولأن صحة الإنسان مرتبطة بشكل مباشر ببيئته، فإن أي فساد أو تلوث فيها ينعكس على راحته الجسدية والنفسية، بل وعلى قدرته على أداء وظيفته في هذه الحياة. لذا، لم يكن غريبًا أن يأمر الإسلام بالنظافة في كل شيء."


رفع طفل يده وقال:

(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (البقرة: 222

هزَّ الحكيم رأسه مؤيدًا، ثم استأنف حديثه:

"انظر كيف شملت تعاليم الإسلام كل جوانب النظافة:

نظافة الجسد:  

فرض الإسلام الوضوء خمس مرات يوميًا، والاغتسال من الجنابة، وأوجب التطهر من النجاسات، وأمر بقص الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة، بل جعل ذلك من سنن الفطرة. قال النبي ﷺ:  

(عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء (رواه مسلم


نظافة اللباس:  

فقد قال الله تعالى: 

(وثيابك فطهر (المدثر: 4


نظافة الطعام والأواني:  

نهى النبي ﷺ عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، كما أمر بغسل الأواني إذا ولغ فيها كلب، فقال:  

(إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب (رواه مسلم


نظافة المنزل والطريق:

حتى الأماكن العامة لم تُترك دون ضوابط، فقد حثّ الإسلام على إماطة الأذى عن الطريق، وجعلها من أعمال البر. قال النبي ﷺ:  

(الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق (رواه مسلم


كما نهى عن التلوث بترك النجاسات في الطرقات وأماكن الظل، فقال: 

(اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل (رواه أبو داود


التفتَ الحكيم إليَّ وسألني:

"أليس هذا تفصيلًا دقيقًا يسبق الحضارات الحديثة بقرون؟ هل يمكن لدين جاء قبل 1400 سنة أن يضع مثل هذه القوانين لو لم يكن تنزيلًا من رب العالمين؟"


لم أجد ما أجيب به، فكل كلمة قالها كانت تؤكد أن الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة في حياة الإنسان إلا وجعل لها منهجًا واضحًا… حتى النظافة، التي ظننتها أمرًا بسيطًا، كانت جزءًا من رسالة كبرى لحماية الإنسان والكون الذي يعيش فيه.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام