فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (12): ثراء أهل الباطل وتغافلهم عن الحق
قال الله تعالى: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا}
بعدما وصف الله الوليد بن المغيرة بأنه خُلق وحيدًا، أتى بذكر نِعمه عليه، ومن أبرزها المال الوفير. المال الممدود هنا يُراد به الكثير الواسع، الذي لا ينقطع ولا ينفد بسهولة، فقد كان الوليد من أثرياء قريش وأصحاب الجاه والنفوذ.
لطائف التفسير وإعداد الداعية:
- {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا}: هذا التعبير يكشف عن حقيقة أن الله هو المتفضل بنعمة الرزق، وهو المالك الحقيقي لكل ثروة، حتى وإن ظنّ صاحبها أنها ملكه الخالص. الوليد بن المغيرة، الذي اعتقد أن ماله سيحميه ويجعله في مَنعة، هو مجرد مستأمَن على هذا المال.
- هذه الآية تذكِّر الدعاة بأن المال والقوة المادية ليست علامة على الحق أو النجاة، فكثير من أهل الباطل يمتلكون ثروات طائلة، لكنهم يُسخرونها لمحاربة الدين وعرقلة دعوته.
إسقاطات معاصرة:
في عالمنا اليوم، نجد القوى الكبرى وأذرعها الاقتصادية والإعلامية، تتحكم في ثروات طائلة، وتستغلها لنشر الفساد ومحاربة الإسلام. الشركات العابرة للقارات، التي تحكم الاقتصاد العالمي، تستخدم أموالها لدعم حملات التشويه الإعلامي ضد الإسلام، وإفساد القيم في المجتمعات الإسلامية، وتمويل حروب تستهدف الشعوب المستضعفة. أمريكا التي تتباهى بميزانيات عسكرية تتجاوز ميزانيات دول مجتمعة، وإسرائيل التي تتلقى الدعم المالي اللامحدود، يظنون أنّ هذه الثروات ستبقيهم في مأمن من عدالة الله.
لكنّ الحقيقة الباقية أنّ كل هذه الثروات مجرد زينة زائلة، ومهما طالت سيطرتهم واستعلاؤهم، سيأتي اليوم الذي يُسألون فيه عن كل ما أنفقوه في الباطل، تمامًا كما واجه الوليد بن المغيرة مصيره محتقرًا ذليلًا.
هذه الآية تذكير لكل صاحب ثروة أو جاه أنّ المال بيد الله، وأنّه ليس دليل النجاة، بل قد يكون سببًا للهلاك إذا لم يُستخدم في طاعة الله، ونصرة الحق، ودعم دعوته.
Comments
Post a Comment