رمضان والقرآن (13): محاور سورة آل عمران (الجزء الخامس) — وحدة الرسالات
من القضايا الكبرى التي تناولتها سورة آل عمران تأكيد وحدة الرسالات السماوية، وبيان أن الدين عند الله واحد، وهو الإسلام الذي جاء به جميع الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
إن هذه الحقيقة تتجلى بوضوح في ميثاق الله الذي أخذه على النبيين، حيث جعل الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم شرطًا في مواثيقهم، فقال تعالى:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: 81]
وهذا تأكيد على أن كل نبي جاء ممهِّدًا لمن بعده، داعيًا قومه إلى الإيمان بمن سيأتي من رسل الله، وأن الرسالات لم تكن متفرقة متعارضة، بل هي حلقات في سلسلة واحدة، نهايتها الإسلام بشريعته الخاتمة.
وفي موضع آخر، يبين الله تعالى أن الاستسلام له هو الدين الحق، وأن جميع الخلائق – طوعًا أو كرهًا – تسير وفق مشيئته، فقال سبحانه:
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ (آل عمران: 83(
ثم تأتي الآية التي تؤكد هذه الوحدة، حيث إن الإيمان لا يتجزأ، فلا يمكن لمن يدّعي الإيمان أن يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعضهم، لأن مصدر الرسالة واحد، والغاية واحدة:
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 84(
ثم تأتي الآية الحاسمة التي تُبيّن أن الإسلام – بمعناه الشامل، الذي هو الاستسلام لله – هو الدين الوحيد المقبول عند الله، وأن من ابتغى غيره دينًا فإنه سيكون من الخاسرين في الآخرة:
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران: 85(
إنّ هذه الآيات العظيمة تضعنا أمام حقيقة لا تقبل الجدل:
الدين عند الله واحد، والأنبياء جميعًا دعوا إلى توحيده والاستسلام له، واتباع رسالته الخاتمة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الشهر المبارك، ينبغي للمسلم أن يتأمل في هذه المعاني العظيمة، وأن يدرك أن الإسلام ليس مجرد اسم أو انتساب، بل هو حقيقة يجب أن تتجسد في حياة الإنسان، في عبادته، وسلوكه، وعلاقته بربه وبالناس. فإن كان كل الأنبياء قد اجتمعوا على هذا الدين، أفلا يجتمع عليه أتباعهم من بعدهم؟
تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، تأليف نخبة من العلماء بإشراف أ.د. مصطفى مسلم، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.
Comments
Post a Comment