الإسلام والبيئة (15): الحسبة الإسلامية ودورها في حماية البيئة

 

سلسلة الإسلام والبيئة

اقتربتُ من الحكيم مستفسرًا:

"في نقاشنا السابق أخبرتني بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لمحاربة وإصلاح ما فسد في بيئتها. فهل كانت هذه مجرد واقعة فردية لم تتكرر في التاريخ الإسلامي؟ أم أن المسلمين وعوا أهمية الحفاظ على البيئة كجزء من دينهم، واتخذوا خطوات عملية تدل على هذا الفهم؟"

ابتسم الحكيم وأجاب:

"بل كان الحفاظ على البيئة وإصلاحها جزءًا من نهج الأمة الإسلامية عبر العصور. ألم تسمع عن نظام الحسبة في الإسلام؟ إنه النظام الذي يقوم عليه المحتسب، وهو بمثابة الرقيب والمفتش الذي يضمن التزام الناس بالتعاليم الشرعية في حياتهم اليومية، ومن ذلك الحفاظ على البيئة والصحة العامة. دعني أذكر لك بعض الأدوار التي اضطلع بها المحتسب في هذا الشأن."


الحسبة على أهل السوق:  

كان المحتسب يجوب الأسواق، يتأكد من نظافتها، ومنع الغش التجاري، والتأكد من جودة السلع وعدم بيع المواد الفاسدة التي قد تضر بصحة الناس. كما كان يراقب الميزان والمكيال لضمان عدم التلاعب بحقوق المشترين.


الحسبة في الطرقات:  

لم يكن يُسمح لأحد أن يترك الأوساخ أو النفايات في الطرق العامة، وكان المحتسب يشرف على نظافة الشوارع والأسواق، ويأمر بإزالة القاذورات والمخلفات، ومعاقبة من يخالف ذلك. وكان يُلزم أصحاب الدكاكين والمنازل بعدم إلقاء الفضلات في الطريق العام.


الحسبة على الحمّامات العامة:  

كانت الحمامات العامة من المرافق الأساسية في المدن الإسلامية، وكان المحتسب يشرف على نظافتها، والتأكد من عدم استخدام المياه الملوثة، وكذلك الحفاظ على تهويتها ومنع أي ممارسات قد تضر بالصحة العامة.


الحسبة على الجزارين والقصّابين:  

كان المحتسب يشرف على ذبح الحيوانات بطريقة شرعية تضمن طهارة اللحوم وسلامتها من الأمراض، كما كان يراقب نظافة المسالخ، وأدوات الذبح، والتخلص الصحيح من المخلفات، لمنع انتشار الأمراض والروائح الكريهة.


الحسبة على الأطباء والحجّامين والفصّادين: (الفصّاد هو الذي يقوم بفتح العروق لاستخراج الدم الفاسد)

كان المحتسب يشرف على هؤلاء، ويمنع أي ممارسة خاطئة قد تضر بصحة الناس، كما كان يتأكد من نظافة الأدوات المستخدمة في الجراحة والطبابة لضمان عدم انتقال الأمراض.


الحسبة على الصيادلة:  

لم يكن يُسمح لأي شخص بفتح دُكّان للعطارة أو الصيدلة إلا بعد التأكد من معرفته بالمجال، وكان المحتسب يراقب الأدوية والعقاقير، ويتأكد من خلوها من المواد الضارة أو المغشوشة.


الحسبة على مراقبة الخبّازين والطّحانين:  

كان المحتسب يراقب نظافة الطواحين والمخابز، ويتأكد من جودة الطحين المستخدم، ومنع الغش أو إضافة أي مواد غير صحية إلى الخبز.


الحسبة على الطباخين والشوائين:  

لم يكن يُسمح لأي مطعم أو طباخ ببيع الطعام الفاسد، وكان المحتسب يتفقد المطابخ، ويتأكد من نظافتها، ومن سلامة اللحوم والأطعمة المستخدمة، وكان يعاقب كل من يخالف هذه القواعد.


الحسبة على العطّارين واللبّانين: (العطّار هو بائع الأعشاب والتوابل)

كان المحتسب يراقب هؤلاء، ويتأكد من جودة منتجاتهم، ومنع الغش في الألبان والأجبان والزيوت والعسل.


رفع الحكيم بصره إليّ وقال:

"هذه مجرد أمثلة على ما كان المسلمون يهتمون به، ولو أسهبنا في التفاصيل لطال بنا الحديث. لكن الخلاصة هي أن تعاليم الإسلام لم تكن مجرد نظريات، بل نُفذت عمليًا عبر نظام محكم يضمن حماية البيئة والصحة العامة. فهل آن لك أن تقتنع أن الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة في هذا المجال إلا وقدّم لها الحلول؟"

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام