الإسلام والبيئة (16): دعوة إلى مصادقة الطبيعة

 

سلسلة الإسلام والبيئة

في ليلة هادئة تحت السماء المرصّعة بالنجوم، كان الحكيم يرقد منهكًا بجوارنا بعد يوم طويل من النقاشات المثمرة. وبينما كنت أتأمل في رحلتنا الفكرية، قاطعني أحد الأطفال بسؤال مفاجئ:

"هل ترى أن سنّ القوانين وإلزام الناس بها بكل الطرق الممكنة هو أفضل الحلول المطروحة لحل مشكلة البيئة؟"

ابتسمت وأجبت بثقة:

"بالطبع. إلزام الناس وتحميلهم المسؤولية تجاه البيئة ومشاكلها هو الحل الوحيد لها."


وهنا ارتسمت ابتسامة ذكية على وجه أحد الأطفال، وكأنني وقعت في فخ نصبوه لي مسبقًا. قال بخفة ظل:

"إذن، لو لم تكن هناك شرطة مرور، هل ستتوقف عند الإشارة الحمراء؟"

ترددت لحظة ثم قلت:

"ربما... لكن الناس يحتاجون إلى قوانين لتنظيم حياتهم."


فقاطعني طفل آخر بحماس:

"صحيح! لكن الإسلام لم يكتفِ بجعل القوانين إجبارية فقط، بل جعلنا نحب البيئة ونصادقها، وهذا يجعلنا نحميها دون أن نشعر بأننا مجبرون على ذلك."

سألتهم وأنا مستمتع بهذا الجدل:

"وكيف يمكن لإنسان أن يصادق البيئة؟ أليست الطبيعة مجرد أشياء نستخدمها ونعيش فيها؟"


ضحك طفل ثالث وقال بحماس:

"انظر حولك! الإسلام يدعونا إلى الاقتراب من البيئة والعيش معها بتناغم، وليس فقط فرض القوانين علينا. ألم تسمع بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إماطة الأذى عن الطريق صدقة"؟ إنه يعلّمنا أن إزالة الأذى من الطريق عملٌ نحبه، وليس فقط التزامًا قانونيًا."


أضاف آخر وهو يتأمل الأشجار من حولنا:

"بل حتى حب الأشجار والزرع! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة"؟ هذا يجعلنا نشعر بالسعادة ونحن نزرع، وليس لأن هناك من يفرض علينا فعل ذلك."


استدرك طفل آخر بنبرة أكثر جدية:

"كما أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن العيش مع الطبيعة يقلل التوتر، ويعزز الصحة النفسية والجسدية. المشي في الغابات، والتعرض للشمس، وحتى زراعة النباتات في المنزل يمكن أن تحسن المزاج، وتزيد من النشاط والطاقة. وهذا ما أدركه الإسلام منذ 1400 عام."


تنهدت وأنا أستوعب عمق كلماتهم، ثم سألتهم مبتسمًا:

"حسنًا، أفهم ما تقصدون، لكن هل يعني هذا أن القوانين غير ضرورية؟"

هز طفل رأسه وقال بذكاء:

"القوانين ضرورية لتنظيم الأمور، لكنها ليست الحل الوحيد. فحين نحب البيئة ونتفاعل معها، لن نحتاج إلى شرطي يخبرنا بعدم إلقاء القمامة، لأننا سنفعل ذلك من تلقاء أنفسنا."


أومأت برأسي موافقًا، فقد فهمت الدرس هذه المرة. الإسلام لا يفرض علينا حماية البيئة فقط، بل يجعلنا نحبها ونصادقها. وهذه الصداقة هي مفتاح الحل الحقيقي.

نظرت إلى الحكيم الراقد بجوارنا وقلت همسًا:

"يبدو أنني هذه المرة تعلمت الدرس منكم أنتم..."

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام