الإسلام والبيئة (17): صراع التصورات.. بين ثنائية الجاهلية الحديثة وثلاثية الرؤية الإسلامية

 

سلسلة الإسلام والبيئة

كنت أجلس مع الحكيم في ظل شجرة معمّرة، تأمّلًا في الأرض المنهكة من طمع البشر، حين قال لي أحد الأطفال بفضول:

"أخبرني، هل تعتقد أن الإنسان هو سيّد الكون المطلق، أم أن هناك ما يعلو عليه؟"

ابتسمتُ وأجبت:

"الإنسان هو أرقى المخلوقات بلا شك، فهو الأكثر ذكاءً وسيطرةً على الطبيعة، وهذا ما يجعل له اليد العليا على الكون!"


تبادل الأطفال النظرات فيما بينهم، ثم انطلق أحدهم بحماس:

"ولكن يا عمّ، إذا كنت ترى الإنسان سيّدًا مطلقًا، فمن الذي وهبه هذه المكانة؟ من الذي أمدّه بالعقل والقدرة على التصرّف؟ أليس هناك خالق لهذا الإنسان؟"

أطرق الحكيم برأسه مؤيدًا، ثم قال:

"هذا السؤال يقودنا إلى فهم جوهر التصور الإسلامي للحياة، والذي يقوم على ثلاثية مترابطة لا يُمكن فصلها: الله، الإنسان، والكون."


أكمل الحكيم بصوته العميق:

"في الإسلام، الله هو الخالق المدبّر، والإنسان مخلوق مكرّم ومكلّف، والكون مسخّر له، لا ليُستَغل بجشع، بل ليُعمَر وفق منهج الله. في هذا التصور، الإنسان ليس حرًّا في إفساد الأرض، بل هو مسؤول عنها أمام الله، وحسابُه آتٍ لا محالة."

أومأ أحد الأطفال بحماس وقال:

"وهذا يعني أن هناك ميزانًا يحكم العلاقة بيننا وبين الطبيعة، فلا تدمير جائر، ولا تبذير أعمى، بل توازنٌ يحفظ لنا النعم!"


تنهّد الحكيم، ثم قال وهو ينظر إلى الأفق:

"على الجانب الآخر، نجد الجاهلية المعاصرة قد ألغت البُعد الإلهي، فجعلت الإنسان والطبيعة في معادلة ثنائية صراع، الإنسان فيها هو "الإله المزيف" الذي يرى في الطبيعة عدوًا عليه أن يخضعه، ولا يعبأ بنتائج استنزافه لها، لأنّه لا يرى في الكون معنىً يتجاوز مصلحته الشخصية."

تدخّل طفل آخر وهو يعقد حاجبيه:

"وهذا بالضبط ما تراه اليوم في زمانك! الدول الصناعية تلوّث بلا حساب، تُدمر الطبيعة من أجل المال، تَعقد اتفاقيات بيئية لكنها لا تلتزم بها! ألا يشبه هذا سلوك الإنسان حين يظن أنه بلا رقيب؟"


ضحك الحكيم، وقال بنبرة مازحة:

"أرى أنكم استوعبتم الدرس أسرع مما كنت أظن! إذن، أخبروني: أي التصورين سيحفظ الأرض ويحقق العدالة؟"

هتف الأطفال بصوت واحد:

"التصوّر الإسلامي!"


ابتسمتُ وأنا أتأمل كلماتهم، وأدركتُ أن الحل الحقيقي ليس في المؤتمرات البيئية ولا في القوانين المؤقتة، بل في استعادة التوازن بين الإنسان، والطبيعة، وخالقهما.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام