فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (1): المقدمة

 

سلسلة فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على النبي الأمين، الذي اصطفاه الله ليحمل أمانة البلاغ المبين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

في أعماق الصحراء القاحلة، حين تَعصف الرياح فتثير الرمال كأنها حجب من السراب، وحين يعمُّ الظلام فيغرق العالم في صمت موحش، تُخفي الصحراء بين طيّاتها أسرارًا لا يُدركها إلا الناظر المتأمل، الباحث عن الحقيقة وسط ركام الباطل المتراكم. وفي تلك البيئة القاسية التي تسكنها الوحوش المتربصة، يقف الأسد، رمز القوة والهيبة، شاهقًا لا يرهبه شيء. هناك حيث تُحدِّق الحُمرُ الوحشية في الأفق المجهول، فإذا ما رأته، فرّت مذعورة في مشهد يفيض بالرهبة والفزع.

ومن هنا، ينطلق عنوان سلسلتنا هذه: "فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ"، مستلهمين المشهد القرآني البديع في سورة المدثر:  

" كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ ۝ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ" [المدثر: 50-51]. 

هذه الآيات القصيرة والعميقة، تلخص صراع الحق والباطل في لوحة قرآنية تستوقف العقول وتثير القلوب.

إنَّ سورة المدثر، التي كانت من أوائل السور نزولًا على النبي صلى الله عليه وسلم، ترسم لنا ملامح الدعوة في فجر الإسلام، وتُظهِر كيف أعدَّ الله رسوله لهذه المهمة العظيمة، وكيف واجه أهل الباطل دعوته بأساليبهم الماكرة وطرقهم الملتوية. كما تُسلط السورة الضوء على مآل المكذبين المتكبرين، وتثبّت قلب النبي والدعاة من بعده، مؤكدة أن قوة الباطل وهمٌ وسراب، وأنّ أهل الحق هم الأصلب والأقوى، وإن بدا خلاف ذلك.

في هذه السلسلة القصيرة، سنغوص في أعماق هذه السورة المباركة، نستكشف أسرارها ونستخرج دروسها ونُسقطها على واقعنا المعاصر، لنرى كيف يمكن للدعاة اليوم أن يستلهموا من منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه في دعوته.

كونوا معنا في المقالات القادمة؛ حيث نبدأ رحلة التدبر والنظر في آيات هذه السورة، لنفهم كيف يمكننا أن نقف بثبات أمام أهوال الباطل، ونكون كالأسود التي يُهاب منها، لا كالحُمر المستنفرة التي تفر من كل صوت مرتفع.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام