الإسلام والبيئة (2): حين احتضر الإيمان.. وماتت الأرض
السماءُ مكفهرةٌ كأنها تحمل ضغينةً ضد البشر، والأرضُ هامدةٌ كما لو أنها أعلنت الحداد على نفسها. الأشجارُ هياكلُ خاوية، والهواءُ دخانٌ يَقتلُ ببطءٍ كل من يتجرَّأ على استنشاقه.
لم يكن هذا مشهداً من فيلم خيالٍ علمي، بل كان الواقع الذي صادفني حين وجدتُ نفسي في مستقبلٍ لم يكن ليخطر ببالي، مستقبلٍ مات فيه الكوكبُ كما ماتت أرواح ساكنيه قبل ذلك بقرون.
"أدرتم ظهركم للخالق... فماتت الأرض"،
قالها الرجلُ العجوز وهو ينظر إليَّ بعينين حادتين، كأنهما تخترقان الزمن ليشهدَا على ما اقترفناه في ماضينا.
كان حوله مجموعةٌ من الأطفال، أعمارهم متباينة، لكن قاسماً مشتركاً كان يوحِّدهم جميعاً: نظراتُهم الغاضبة، تلك النظرات التي لا تحتملني، وكأنني أُمثِّل الماضي الذي أوصلهم إلى هذا الدمار.
تلعثمتُ للحظة، ثم قلتُ بصوتٍ خافت:
"ماذا تقصد؟"
تنهد العجوز وقال:
" يوم قلتم إنكم لم تعودوا بحاجةٍ إليه، وإن الكونَ وُجد وحده، وإن الإنسانَ إلهُ نفسه. يوم قررتم أن الطبيعة لا سيد لها، فاستبحتموها كما تشاؤون، بلا رقيب ولا حسيب."
ثم تابع قائلا، بصوت يحمل مرارة التاريخ:
"حين كفرتم بالله، لم تُنكروا وجوده فحسب، بل أنكرتم أنّ هذا الكون قائم على ميزان دقيق، وأنّ وراءه خالقا حكيما عليما قدّر لكل شيء مقداراً. عندها، ترسّخ في أذهانكم أن الموارد شحيحة، وأنّها غير كافية للبشر، فغدوتم في صراع دائم مع الطبيعة، تحاربونها كعدوّ لا كأمانة، وتسعون جاهدين إلى قهرها بدل أن تعيشوا في وئام معها. كل ذلك لأنّكم آمنتم بكونٍ عشوائي، صنعته المصادفة بلا نظام ولا رحمة".
أشار أحد الأطفال إلى السماء وقال:
"هل ترى هذا السواد؟ هل ترى الهواء الذي أصبح سُمًّا؟ هذه ليست مجرد مصادفات طبيعية. هذا ما يحدث عندما يعامل الإنسانُ الأرضَ وكأنها ملكه المطلق، لا كأمانةٍ في عنقه. لقد أعلنتم أن الكونَ بلا خالق، فاستبحتم كل شيء، وأضعتم الميزان."
قاطعَه العجوزُ قائلاً:
"كان لكم نذير، لكنه لم يكن كافياً. كلما زادت علومكم، ازددتم كفراً. كلما اكتشفتم شيئاً عن الطبيعة، ظننتم أنكم امتلكتموها. لكنكم لم تفهموا أنكم كنتم مجرد غزاةٍ لها، وليس ملوكاً عليها."
قلتُ وأنا أستجمع شتات أفكاري:
"لكن البشر قد سعوا للحفاظ على البيئة! أسسوا منظمات، وأقاموا مؤتمرات المناخ، ورفعوا شعارات الاستدامة!"
ضحك العجوز بمرارة:
"أيُّ استدامةٍ بلا خالق؟ إن لم تؤمنوا أنكم مُستخلفون في الأرض، فكيف تحمونها؟ لم يكن دافعكم حب الأرض، بل حب المال. لم يكن دافعكم الحفاظ على الحياة، بل الحفاظ على الصناعة. نزعتم القداسة عن الأرض، فجعلتموها مجرد سلعةٍ تُباع وتُشترى. وحينما انهارت، انهارت معها إنسانيتكم."
كان الأطفالُ صامتين، لكن نظراتهم كانت تصرخ بما لم يقولوه. كانوا يحمّلونني مسؤولية الماضي، وكأنهم يرجونني أن أعود إليه وأُصلحه قبل فوات الأوان.
قلتُ بتردد:
"إذن... هل يعني هذا أنه لا أمل؟ هل انتهى كل شيء؟"
نظر إليّ العجوز طويلاً، ثم قال بصوتٍ هادئ:
"ذلك يعتمد على ما ستفعله بعد عودتك إلى زمنك..."
رائع
ReplyDelete