الإسلام والبيئة (22): عقيدة التوازن: كيف يحمي الإسلام البيئة من عبث الإنسان؟
كان المشهد أمامي أشبه بكابوس حيٍّ، لا تكاد العين تلتقط زاوية تخلو من الخراب. السماء ملبّدة بسحب داكنة لا تمطر، بل تمطر سمومًا خانقة. الأشجار، أو ما تبقى منها، مجرد هياكل جرداء، كأنها تنعي عصرًا زال فيه الوعي بقدسية الحياة. البحيرات راكدة، لا تعكس صورة السماء، بل تعكس وجه الحضارة المتآكلة. في هذا الخراب القاتم، وقفت أمام الحكيم، أبحث عن إجابة لما آل إليه كوكبنا، فسألت:
لماذا فشل البشر في الحفاظ على بيئتهم رغم كل ما يمتلكونه من علم وتقنيات؟
ابتسم الحكيم ابتسامة هادئة، وأشار إلى الأطفال الجالسين حولنا. نظر إليهم بحنان، وقال:
"لأن الإنسان عندما يجهل حكمة الخلق، فإنه يتصرف في الأرض وكأنها مُلكه المطلق، لا ضابط عليه إلا أهواؤه."
ثم أشار إلى أحد الأطفال، فتلا بصوت خاشع:
"وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين" الدخان: 39
"وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا" ص: 27
"إنا كل شيء خلقناه بقدر" القمر: 49
أومأ الحكيم برأسه، ثم تابع:
"في العقيدة الإسلامية، لا شيء في الكون عبثي، كل مخلوق له وظيفته، سواء أدرك الإنسان ذلك أم لم يدركه. لكن عندما يجهل هذه الحقيقة، يبدأ في تدمير النظام البيئي بلا وعي."
فسألته: وما أثر ذلك على البيئة؟
قال الحكيم:
"انظر كيف أُبيدت بعض الكائنات التي ظنّها الإنسان بلا فائدة، فدمّرت التوازن البيئي! حينما قضى الإنسان على دود الأرض، فقدت التربة خصوبتها، وعندما قتل أنواعًا معينة من الطيور، زادت الحشرات الضارة بشكل غير طبيعي. وعندما قطع الأشجار بلا وعي، ارتفعت درجة حرارة الأرض وعمّ الجفاف. كل ذلك لأن الإنسان لم يدرك حكمة الخلق!"
ثم أشار إلى أحد الأطفال، فقرأ من كتاب الله:
"الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا" الفرقان: 2
فقلت: ولكن ألا يتعلم الإنسان من أخطائه؟
ابتسم الحكيم بأسى، وقال:
"لو كان الإنسان يسير وفق الهداية الإلهية، لما احتاج إلى مئات السنين ليدرك خطأه بعد فوات الأوان. الإسلام جعل عقيدة التوازن وحكمة الخلق جزءًا من حياة المسلم، ولهذا نرى كيف تعامل الفقهاء مع البيئة باعتبارها أمانة لا يجوز التعدي عليها."
ثم نظر إلى أحد الأطفال، فقال:
"ألم ينهَ الإسلام عن قتل الحيوانات دون سبب؟"
فأجاب الطفل بحماسة:
"نعم! لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما من إنسان يقتل عصفورًا فما فوقها بغير حق إلا سأله الله عنها يوم القيامة" رواه النسائي وابن حبان.
وأردف الحكيم:
"لهذا وضع الفقهاء قواعد تحمي البيئة منذ قرون، فجعلوا للصيد قوانين، وأوجبوا إبقاء العسل للنحل، وألزموا المزارعين بترك طعام لصغار الحيوانات. حتى الماء، لم يكن يحق لأحد احتكاره أو تلويثه."
فقلت:
"إذن، ضعف التربية الدينية هو السبب الحقيقي وراء دمار البيئة؟"
قال الحكيم بحزم:
"نعم، لو أن المسلمين التزموا بعقيدتهم، لكانت البيئة بخير. الإسلام وحده جعل من حماية البيئة عبادة، وجعل التوازن أصلًا من أصول الكون."
أطرقت رأسي متفكرًا، وأدركت أن المشكلة لم تكن في الطبيعة، بل في عقول البشر. الإسلام لم يكن مجرد دين، بل نظام حياة يحفظ التوازن ويمنع العبث، لكن حين يتخلى الناس عن هدايته، يصبح الخراب مصيرهم المحتوم...
Comments
Post a Comment