الإسلام والبيئة (28): حين صمتت الأرض وزأرت السماء: هل ينجو الإنسان بلا حيوان؟

 

سلسلة الإسلام والبيئة

كان المكان أشبه بظل عالمٍ مضى، حيث الأرض صارت قاحلة بلا أثر للحياة، والغبار الكثيف يملأ الأفق حتى يكاد يخنق الأنفاس. لا صوت لطائر، ولا همس لريح في أوراق الأشجار، فقط صمت قاتل يكسره أحيانًا صدى خطواتنا فوق تربة متحجرة، جرداء من كل خضرة. كنت أتساءل: كيف وصل الحال بالبشر إلى هذا الحد؟ كيف اختفى الحيوان الذي كان يومًا شريكًا لنا في هذا الكوكب؟

التفتُّ إلى الحكيم وسألته بحيرة:
أتعلم يا شيخ، لطالما نظرت إلى الحيوانات ككائنات تعيش لخدمة البشر فقط، هل أخطأت في تصوري؟


نظر إليّ الحكيم بعينين تشعان بالحكمة وقال:
لو كان الحيوان مجرد وسيلة للمنفعة فقط، فلماذا ذكره الله في كتابه مراتٍ عديدة، ليس فقط كوسيلة، بل كجزءٍ من نظام متكامل؟ بل أخبرني، كيف تشعر الآن بعدما خلت الأرض من كل مخلوقاتها؟

نظرت حولي إلى هذا الخراب المخيف وشعرت برجفة تسري في أوصالي. قلت بصوت خافت:
أشعر بوحدة قاتلة، وكأن العالم فقد روحه


ابتسم الحكيم وكأنه كان ينتظر هذه الإجابة، ثم التفت إلى الأطفال وقال:
أليس في القرآن دعوة للتأمل في مخلوقات الله؟ من يقرأ لنا؟

رفع أحد الأطفال صوته بآية مهيبة:
"
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ" الغاشية: 17

هزَّ الحكيم رأسه قائلاً:
أرأيتم؟ لم يقل الله "أفلا يرون الإبل" بل قال: "كيف خلقت"، أي أنه دعانا لا إلى مجرد المشاهدة، بل إلى البحث والتأمل في حكمة خلق الحيوان.


تداخل طفل آخر وهو يقرأ بصوت عذب:
"
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ" الملك: 19

تنهد الحكيم ثم قال:
حتى الطيور، ذكرت في القرآن كمعجزة من معجزات الله. هل تظن أن الإسلام لم يلحظ الدور الذي تلعبه هذه الكائنات في توازن الطبيعة؟


تقدمت نحوه وسألته بفضول:
لكنني أرى في عالمنا الحديث من لا يهتم بالحيوان إلا لمصلحته. فمثلاً، البعض يهتم بتربية المواشي لأنها تعطيه اللحوم والألبان، لكنه لا يرى حاجةً لحماية الأنواع الأخرى من الحيوانات البرية أو الطيور التي لا تنفعه مباشرةً.

ابتسم الحكيم وأشار إلى الأرض اليابسة حولنا قائلاً:
وهذه هي النتيجة! عندما تُعامل الكائنات على أنها مجرد أشياء لا قيمة لها إلا بالمصلحة المادية، فإنك تدمر التوازن البيئي. أتدري أن النبي ﷺ نهى عن قتل بعض الحيوانات بلا سبب؟ بل وجعل في الإحسان إليها طريقًا إلى الجنة؟ ألم تسمعوا حديث النبي ﷺ؟


أجاب طفل آخر بحماس:
نعم! قال رسول الله ﷺ: "دخلت امرأةٌ النَّارَ في هرَّةٍ حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكلُ من خشاشِ الأرضِ" متفق عليه

أطرق الحكيم رأسه وقال بصوت هادئ:
هذا هو الإسلام، حيث الرحمة تمتد إلى أصغر الكائنات. فكيف بمن يقتل الأنواع ويدمر البيئات؟


أخذت نفسًا عميقًا، وشعرت وكأنني لأول مرة أفهم حقًا كيف كان الحيوان جزءًا من هذه الأرض، لا كخادم للإنسان فحسب، بل كشريك في نظام صنعه الله بحكمة متناهية. 

رفعت رأسي إلى السماء، ورغم الخراب الذي يحيط بنا، شعرت أن ثمة أملًا ما زال يمكن إنقاذه… إذا فهمنا الحقيقة قبل فوات الأوان.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام