الإسلام والبيئة (3): حين تحدثت السُنّة.. وصَمتَ العالم
الجو خانق، والسماء ملبّدة بسُحبٍ داكنةٍ تُلقي بظلالها الكئيبة على الأرض القاحلة. لم يكن هذا كوكبًا غريبًا أو أرضًا مجهولة... بل هو المستقبل الذي صنعته أيدينا. كنتُ أقف هناك، غريبًا وسط أنقاض الحضارة، حين اقترب مني شيخٌ مُسن، تُحيط به مجموعة من الأطفال حفاة الأقدام، يحدّقون إليّ بعيون خاوية إلا من سؤال واحد:
"لماذا فعلتم بنا هذا؟"
الرجل المسن (بصوت متهدج):
"لقد قرأنا عن زمنكم في كتب التاريخ... كنا نظن أنكم عقلاء! لكن كل شيء هنا يخبرنا بعكس ذلك. تسبّبتم في انهيار المناخ، استنزفتم الموارد، لوّثتم المياه، ثم حين ضاقت بكم الأرض، قررتم أن تقتلونا قبل أن نُولد"!
أنا (مندهشًا):
"كيف تقول ذلك؟ لم يكن أحد يريد إهلاككم. العالم كان يبحث عن حلول لأزماته البيئية".
طفل صغير (بحدّة تفوق عمره):
"أيّ حلول؟ أهي تلك التي قامت على تقليل عدد البشر بدلًا من إصلاح فسادهم؟ قرأنا عن مؤتمراتكم الدولية، عن خططكم لإنقاص عدد السكان بحجة أن الموارد لا تكفي للجميع. ظننتم أنكم "تحلون المشكلة" عندما منعتم الفقراء من الإنجاب، وشجعتم النساء على قتل الأجنة في أرحامهن، وجعلتم الانحراف والشذوذ مباحًا كيلا ينجب الناس مزيدًا من الأفواه الجائعة"!
الرجل المسن (بمرارة):
"لم تكتفوا بذلك، بل وضعتم قوانين تمنع الدول الفقيرة من بناء المصانع بدعوى الحفاظ على البيئة، بينما تلوثون أنتم الكوكب بنفاياتكم وصناعاتكم الجشعة. ألستم أنتم من قال يومًا إن "الدول النامية يجب أن تبقى بلا تصنيع لأن الصناعة تضر بالبيئة"؟"!
أنا (محاولًا الدفاع عن الماضي):
"لكننا لم نكن جميعًا متفقين على هذا النهج. كان هناك من نادى بالعدالة، من حذّر من الاستغلال"...
الطفل الصغير (مقاطعًا):
"ولكن لم يكن صوتهم مسموعًا! من امتلك المال والقوة صنع القرارات، وبقي الفقراء ضحايا دائمًا".
الرجل المسن (بصوت عميق وحزين):
"المشكلة الكبرى أنكم كنتم تعرفون الحل، لكنكم تجاهلتموه. الإسلام جاء بنظام متكامل لحماية البيئة، لكنكم دفنتموه تحت ركام فلسفاتكم المادية".
أنا (بفضول):
"ماذا تعني؟"
الرجل المسن:
"أعني أن نبيكم محمدًا ﷺ سبق كل قوانينكم بقرون. جاءكم بتعاليم لو اتبعتموها لما وصلنا إلى هذا الدمار. ألم يقل ﷺ: "لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جارٍ"؟ ألم يحرّم قطع الأشجار عبثًا؟ ألم يجعل إماطة الأذى عن الطريق صدقة؟ ألم يقل: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له"، ليشجّع الناس على إعمار الأرض بدلًا من استنزافها؟"
الرجل المسن (مستطردا):
"ألم ينهكم عن تغوير الآبار، وعن إنقاص الماء وعن تلويثه، وعن قطع الشجر، وعن العبث في النبات، وعن تلويث الأرض وإفسادها؟ ألم يأمركم بالنظافة وجعل طهارة البدن والثوب والمكان من شروط العبادة؟ ألم يحثكم على الغرس والزرع فقال: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا."؟"
الطفل الصغير:
"وقرآنكم نفسه حذّركم! أما قرأتم قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41] ؟ هذا ليس كلامًا نظريًا، بل حقيقة نعيشها اليوم. الفساد الذي صنعتموه بيدكم عاد ليحرقنا جميعًا"!
أنا (أشعر بالخجل والصدمة):
"لكن... كنّا نعتقد أن المشكلة أكبر من مجرد أخلاقيات شخصية. كنا نظن أن الحلول تحتاج إلى سياسات دولية معقدة".
الرجل المسن (ناظرًا إليّ بحكمة):
"وهل كانت السياسات الدولية إلا انعكاسًا لأخلاق البشر؟ لو أنكم نشأتم على تعاليم دينكم، لما أفسدتم الأرض بهذه الوحشية. الإسلام لم يقدّم لكم مجرد قوانين، بل قدّم لكم منهج حياة، يجعل الإنسان مسؤولًا عن الأرض لا سيدًا متجبرًا عليها".
الطفل الصغير (بصوت واثق):
"لكنكم اخترتم أن تتبعوا "مالثوس" بدلًا من نبيّكم. هو قال لكم: "اتركوا الفقراء للجوع كيلا يتكاثروا"، وقلتم سمعًا وطاعة! لكن نبيكم قال لكم: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا"، فتركتم كلماته وراء ظهوركم"!
أنا (بصوت خافت، كمن أدرك الحقيقة متأخرًا):
"إذن، نحن من صنع هذه النهاية... كنا نظن أننا نحارب الفقر، لكننا كنا نحارب البشر أنفسهم"...
الرجل المسن (بصوت عميق):
"واليوم، لا تطلبوا منا العفو. أنتم لم تتركوا لنا مستقبلًا لنغفر لكم"!
Comments
Post a Comment